نزف القلم
02-18-2021, 10:21 AM
استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه«
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعليٍّ من أشقَى الأوَّلين قال عاقرُ النَّاقةِ قال صدقتَ قال فما أشقَى الآخرين قال قلتُ لا أعلمُ يا رسولَ اللهِ قال الَّذي يضرِبُك على هذه وأشار بيدِه إلى يافوخِه» . [صححه الألباني]وقد وردت القصة في البداية والنهاية للإمام ابن كثير رحمه الله :كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في آخِر خلافَتِه ، قَدِ انْتَقَضَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ ، وَخَالَفَهُ جَيْشُهُ مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَكَلُوا عَنِ الْقِيَامِ مَعَهُ ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ أَهْلِ الشَّامِ وَصَالُوا وَجَالُوا يَمِينًا وَشِمَالًا زَاعِمِينَ أَنَّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ ؛ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ فِي خَلْعِهِمَا عَلِيًّا ، وَتَوْلِيَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ خُلُوِّ الْإِمْرَةِ عَنْ أَحَدٍ ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ أَهْلُ الشَّامِ قُوَّةً ، ضَعُفَ جَأْشُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَوَهَنُوا، هَذَا وَأَمِيرُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، فَهُوَ أَعْبَدُهُمْ وَأَزْهَدُهُمْ ، وَأَعْلَمُهُمْ وَأَخْشَاهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ خَذَلُوهُ وَتَخَلَّوْا عَنْهُ ، وَقَدْ كَانَ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ الْكَثِيرَ وَالْمَالَ الْجَزِيلَ .وقدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ ، أَنَّ ثَلَاثَةً مِنِ الْخَوَارِجِ ; وَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُلْجَمٍ الْحِمْيَرِيُّ ، وَالْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ ، اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا قَتْلَ عَلِيٍّ إِخْوَانَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ ، فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ ؟! كَانُوا مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، وَأَكْثَرَهُمْ صَلَاةً ، وَكَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ إِلَى رَبِّهِمْ ، لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَقَتَلْنَاهُمْ ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ ، وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ثَأْرَ إِخْوَانِنَا.فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ .فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا أَنْ لَا يَنْكِصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ ، أَنْ يُبَيِّتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ .فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا ، وَكَتَمَ أَمْرَهُ حَتَّى عَنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا، ثمّ ضمّ إليه رجُل مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ. لِيَكُونَ مَعَهُ رِدْءًا، وَاسْتَمَالَ رَجُلًا آخَرَ يُقَالُ لَهُ: شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْحَرُورِيُّ.فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَى سُيُوفِهِمْ، فَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيّ ٌ، فَلَمَّا خَرَجَ جَعَلَ يُنْهِضُ النَّاسَ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَثَارَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ بِالسَّيْفِ ، فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ فِي الطَّاقِ ، فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ ، فَسَالَ دَمُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .وَلَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ قَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، لَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ ، وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلُهُ تَعَالَى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) وَنَادَى عَلِيٌّ: عَلَيْكُمْ بِهِ.وَهَرَبَ وَرْدَانُ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَقَتَلَهُ ، وَذَهَبَ شَبِيبٌ فَنَجَا بِنَفْسِهِ وَفَاتَ النَّاس َ، وَمُسِكَ ابْنُ مُلْجَمٍ ، وَقَدَّمَ عَلِيٌّ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَحُمِلَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَحُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ ، قَبَّحَهُ اللَّه ُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّه ِ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرّ خَلْقِهِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: لَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ، وَلَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ ، وَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ.وَلَمَّا احْتُضِرَ عَلِيٌّ جَعْلَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِهَا - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)وَقَدْ أَوْصَى وَلَدَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَغَفْرِ الذَّنْب ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْقُرْآن ِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ ، وَوَصَّاهُمَا بِأَخِيهِمَا مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَوَصَّاهُ بِمَا وَصَّاهُمَا بِهِ ، وَأَنْ يُعَظِّمَهُمَا وَلَا يَقْطَعَ أَمْرًا دُونَهُمَا، وَكَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ." البداية والنهاية " (11/ 5-16) .
أبو الهيثم محمد درويش
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعليٍّ من أشقَى الأوَّلين قال عاقرُ النَّاقةِ قال صدقتَ قال فما أشقَى الآخرين قال قلتُ لا أعلمُ يا رسولَ اللهِ قال الَّذي يضرِبُك على هذه وأشار بيدِه إلى يافوخِه» . [صححه الألباني]وقد وردت القصة في البداية والنهاية للإمام ابن كثير رحمه الله :كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في آخِر خلافَتِه ، قَدِ انْتَقَضَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ ، وَخَالَفَهُ جَيْشُهُ مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَكَلُوا عَنِ الْقِيَامِ مَعَهُ ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ أَهْلِ الشَّامِ وَصَالُوا وَجَالُوا يَمِينًا وَشِمَالًا زَاعِمِينَ أَنَّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ ؛ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ فِي خَلْعِهِمَا عَلِيًّا ، وَتَوْلِيَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ خُلُوِّ الْإِمْرَةِ عَنْ أَحَدٍ ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ أَهْلُ الشَّامِ قُوَّةً ، ضَعُفَ جَأْشُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَوَهَنُوا، هَذَا وَأَمِيرُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، فَهُوَ أَعْبَدُهُمْ وَأَزْهَدُهُمْ ، وَأَعْلَمُهُمْ وَأَخْشَاهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ خَذَلُوهُ وَتَخَلَّوْا عَنْهُ ، وَقَدْ كَانَ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ الْكَثِيرَ وَالْمَالَ الْجَزِيلَ .وقدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ ، أَنَّ ثَلَاثَةً مِنِ الْخَوَارِجِ ; وَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُلْجَمٍ الْحِمْيَرِيُّ ، وَالْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ ، اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا قَتْلَ عَلِيٍّ إِخْوَانَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ ، فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ ؟! كَانُوا مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، وَأَكْثَرَهُمْ صَلَاةً ، وَكَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ إِلَى رَبِّهِمْ ، لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَقَتَلْنَاهُمْ ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ ، وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ثَأْرَ إِخْوَانِنَا.فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ .فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا أَنْ لَا يَنْكِصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ ، أَنْ يُبَيِّتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ .فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا ، وَكَتَمَ أَمْرَهُ حَتَّى عَنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا، ثمّ ضمّ إليه رجُل مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ. لِيَكُونَ مَعَهُ رِدْءًا، وَاسْتَمَالَ رَجُلًا آخَرَ يُقَالُ لَهُ: شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْحَرُورِيُّ.فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَى سُيُوفِهِمْ، فَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيّ ٌ، فَلَمَّا خَرَجَ جَعَلَ يُنْهِضُ النَّاسَ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَثَارَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ بِالسَّيْفِ ، فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ فِي الطَّاقِ ، فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ ، فَسَالَ دَمُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .وَلَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ قَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، لَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ ، وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلُهُ تَعَالَى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) وَنَادَى عَلِيٌّ: عَلَيْكُمْ بِهِ.وَهَرَبَ وَرْدَانُ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَقَتَلَهُ ، وَذَهَبَ شَبِيبٌ فَنَجَا بِنَفْسِهِ وَفَاتَ النَّاس َ، وَمُسِكَ ابْنُ مُلْجَمٍ ، وَقَدَّمَ عَلِيٌّ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَحُمِلَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَحُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ ، قَبَّحَهُ اللَّه ُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّه ِ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرّ خَلْقِهِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: لَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ، وَلَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ ، وَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ.وَلَمَّا احْتُضِرَ عَلِيٌّ جَعْلَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِهَا - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)وَقَدْ أَوْصَى وَلَدَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَغَفْرِ الذَّنْب ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْقُرْآن ِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ ، وَوَصَّاهُمَا بِأَخِيهِمَا مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَوَصَّاهُ بِمَا وَصَّاهُمَا بِهِ ، وَأَنْ يُعَظِّمَهُمَا وَلَا يَقْطَعَ أَمْرًا دُونَهُمَا، وَكَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ." البداية والنهاية " (11/ 5-16) .
أبو الهيثم محمد درويش