سمارا
03-02-2021, 01:27 AM
أسماء القرآن (3)
الـحـقّ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
معنى «الحق» في اللغة:
جاءت لفظة: «الحق» في اللُّغة بمعانٍ عدة نأخذ منها ما يدل على المقصود: عَرَّفها ابن فارس بقوله: «الحاء والقاف أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على إحكام الشيءِ وصحَّته» [1].
و«أصلُ الحقِّ: المطابقةُ والموافقة» [2]. و«الحقُّ ضِدُّ الباطل» [3]. والحقُّ من أسماءِ الله عزّ وجل، وقيل: من صفاته.
قال ابن الأثير: هو الموجود حقيقةً المُتَحَقِّقُ وُجودُه وإِلهِيَّتُه. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمْ الْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 62]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ [المؤمنون: 71]. قال ثعلب: الحقُّ – هنا - اللهُ عزّ وجل، وقال الزَّجاج: ويجوز أن يكون الحقُّ – هنا - التنزيلُ؛ أي: لو كان القرآن بما يُحِبُّونه لفَسَدَتِ السماواتُ والأرضُ.
وقال صلّى الله عليه وسلّم لِمُعاذٍ: «هَلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبَادِ على اللهِ» [4]؛ أي: ثوابُهم الذي وَعَدَهم به فهو واجبُ الإِنجازِ ثابتٌ بوعدِه الحقِّ [5].
«والأَحَقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَقُ، وهو من الباب؛ لأنَّ ذلك يكون لصلابَتِه وقُوَّتِه وإحكامِه» [6].
معنى «الحق» اسمًا للقرآن:
سَمَّى اللهُ تعالى القرآنَ حقًّا في مواضع عِدَّة من كتابه، نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي:
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ [الحاقة: 51]. «أي: وإنَّ القرآن - لكونه من عند الله - حقٌّ، فلا يحولُ حوله ريب ولا يتطرَّقُ إليه شك» [7]. وهذا القرآن العظيم عميقٌ في الحق، عميقٌ في اليقين، وإنه لَيَكْشِف عن الحقِّ الخالص في كلِّ آية من آياته ما ينبئ بأن مصدره هو الحقُّ الأوحد والأصيل.
2- قوله تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]. قال الواحدي رحمه الله: «نُلقي بالقرآن على باطلهم» [8]. و« القذف: الرَّمي؛ أي: نرمي بالحقِّ على الباطل. ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾؛ أي: يقهره ويهلكه.
وأصل الدَّمغ: شَجُّ الرأس حتى يبلغ الدِّماغ، ومنه الدَّامِغَةُ [9]. والحقُّ - هنا - القرآن، والباطل الشيطان - في قول مجاهد» [10].
3- قوله تعالى: ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]. قال الثَّعالبي رحمه الله: «الضَّمير في ﴿ بِهِ ﴾ عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات، قاله السُّدِّي، وهذا هو الظاهر» [11].
وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبيِّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم هو الحقُّ من الله [12].
والمعنى: «﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ﴾؛ أي: بالقرآن الذي جئتهم به، والهدى والبيان. ﴿ قَوْمُكَ ﴾، يعني: قريشًا. ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾؛ أي: الذي ليس وراءه حق. ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾؛ أي: لَسْتُ عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم» [13].
4- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود: 17].
قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ﴾؛ أي: بالقرآن ولم يُصَدِّقْ بتلك الشَّواهد الحقَّة. وقوله: ﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾؛ أي: في شكٍّ من أمر القرآن وكونه من عند الله عزّ وجل [14]. «وفيه تعريضٌ بغيره صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه معصومٌ عن الشَّك في القرآن» [15].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾؛ أي: القرآن حَقٌّ من الله تعالى لا مرية ولا شكَّ فيه، كما قال تعالى: ﴿ الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 1، 2]. وقال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 1، 2] [16].
«وتعريف ﴿ الْحَقّ ﴾؛ لإفادة قَصْرِ جنسِ الحقِّ على القرآن. وهو قَصْرُ مبالغةٍ لكمال جنس الحقِّ فيه حتى كأنه لا يوجد حق غيره، مثل قولك: حاتم الجواد»[17].
وقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ «إمَّا جَهْلًا منهم وضَلالًا، وإِمَّا ظُلمًا وعِنادًا وبغيًا. وإلاَّ فَمَنْ كان قَصْدُه حَسَنًا، وفهمُه مستقيمًا، فلا بد أن يؤمن به؛ لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان مِنْ كلِّ وَجْه» [18].
5- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 48، 49]. والقذف: الرَّمي بالسَّهم والحصى والكلام، ومعناه: أتى بالحقِّ وبالوحي ينزله من السَّماء فيقذفه إلى الأنبياء [19]. وقوله تعالى: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ ﴾ «وهو الإسلام والقرآن» [20].
فهذا القرآن العظيم الذي جاء به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هو الحق: الحقُّ القويُّ الذي يقذف به الله تعالى. وكأنَّما الحقُّ قذيفةٌ تصدع وتخرق وتنفذ ولا يقف لها أحد في طريق، يقذف بها الله تعالى علاَّمُ الغيوب، فهو تعالى يقذف بها عن عِلم، ويوجهها علاَّم الغيوب، فلا يخفى عليه هدف، ولا تغيب عنه غاية، فالطريق أمامه تعالى مكشوف ليس فيه ستور، فمَنْ ذا يقف للحقِّ الذي يقذف به الله تعالى؟
ومن خلال تسمية القرآن الكريم باسم (الحقِّ) تبرز عظمتُه ومنزلتُه العالية، فلا بدَّ أن يؤمن النَّاس بهذا الحقِّ الأوحد ويستجيبوا له؛ لأنَّ مصدره هو الإله الأوحد جلَّ جلالُه، ولا يوجد حقٌّ غيره، ففيه تعريضٌ بغيره من الكتب المُحَرَّفة؛ لاختلاط الحقِّ بالباطل فيها.
[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 269)، مادة: «حقَّ».
[2] المفردات في غريب القرآن (ص132)، مادة: «حق».
[3] مختار الصحاح (1/ 62)، مادة: «حقق».
[4] رواه البخاري، (4/ 1973)، (ح6267)؛ ومسلم، (1/ 58)، (ح30).
[5] انظر: لسان العرب (10/ 50)، مادة: «حقق».
[6] معجم مقاييس اللغة (1/ 270).
[7] فتح القدير، للشوكاني (15/ 401).
[8] تفسير الواحدي (2/ 713).
[9] «الدَّامِغَةُ منَ الشِّجَاج: إِحْدَى الشِّجاجِ العَشْرِ، وهي التي تَبْلُغُ الدِّماغَ، فَتَقْتُلُ لِوَقْتِهَا». انظر: المعجم الوسيط (ص297)، مادة: «دمغ».
[10] تفسير القرطبي (11/ 295).
[11] تفسير الثعالبي (1/ 529).
[12] انظر: أضواء البيان (7/ 246).
[13] تفسير ابن كثير (3/ 315).
[14] انظر: تفسير أبي السعود (4/ 195).
[15] فتح القدير، للشوكاني (2/ 488).
[16] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 441).
[17] التحرير والتنوير (11/ 227).
[18] تفسير السعدي (2/ 359).
[19] انظر: تفسير البغوي (3/ 562، 563).
[20] زاد المسير (6/ 466).
الـحـقّ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
معنى «الحق» في اللغة:
جاءت لفظة: «الحق» في اللُّغة بمعانٍ عدة نأخذ منها ما يدل على المقصود: عَرَّفها ابن فارس بقوله: «الحاء والقاف أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على إحكام الشيءِ وصحَّته» [1].
و«أصلُ الحقِّ: المطابقةُ والموافقة» [2]. و«الحقُّ ضِدُّ الباطل» [3]. والحقُّ من أسماءِ الله عزّ وجل، وقيل: من صفاته.
قال ابن الأثير: هو الموجود حقيقةً المُتَحَقِّقُ وُجودُه وإِلهِيَّتُه. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمْ الْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 62]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ [المؤمنون: 71]. قال ثعلب: الحقُّ – هنا - اللهُ عزّ وجل، وقال الزَّجاج: ويجوز أن يكون الحقُّ – هنا - التنزيلُ؛ أي: لو كان القرآن بما يُحِبُّونه لفَسَدَتِ السماواتُ والأرضُ.
وقال صلّى الله عليه وسلّم لِمُعاذٍ: «هَلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبَادِ على اللهِ» [4]؛ أي: ثوابُهم الذي وَعَدَهم به فهو واجبُ الإِنجازِ ثابتٌ بوعدِه الحقِّ [5].
«والأَحَقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَقُ، وهو من الباب؛ لأنَّ ذلك يكون لصلابَتِه وقُوَّتِه وإحكامِه» [6].
معنى «الحق» اسمًا للقرآن:
سَمَّى اللهُ تعالى القرآنَ حقًّا في مواضع عِدَّة من كتابه، نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي:
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ [الحاقة: 51]. «أي: وإنَّ القرآن - لكونه من عند الله - حقٌّ، فلا يحولُ حوله ريب ولا يتطرَّقُ إليه شك» [7]. وهذا القرآن العظيم عميقٌ في الحق، عميقٌ في اليقين، وإنه لَيَكْشِف عن الحقِّ الخالص في كلِّ آية من آياته ما ينبئ بأن مصدره هو الحقُّ الأوحد والأصيل.
2- قوله تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]. قال الواحدي رحمه الله: «نُلقي بالقرآن على باطلهم» [8]. و« القذف: الرَّمي؛ أي: نرمي بالحقِّ على الباطل. ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾؛ أي: يقهره ويهلكه.
وأصل الدَّمغ: شَجُّ الرأس حتى يبلغ الدِّماغ، ومنه الدَّامِغَةُ [9]. والحقُّ - هنا - القرآن، والباطل الشيطان - في قول مجاهد» [10].
3- قوله تعالى: ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]. قال الثَّعالبي رحمه الله: «الضَّمير في ﴿ بِهِ ﴾ عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات، قاله السُّدِّي، وهذا هو الظاهر» [11].
وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبيِّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم هو الحقُّ من الله [12].
والمعنى: «﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ﴾؛ أي: بالقرآن الذي جئتهم به، والهدى والبيان. ﴿ قَوْمُكَ ﴾، يعني: قريشًا. ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾؛ أي: الذي ليس وراءه حق. ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾؛ أي: لَسْتُ عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم» [13].
4- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود: 17].
قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ﴾؛ أي: بالقرآن ولم يُصَدِّقْ بتلك الشَّواهد الحقَّة. وقوله: ﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾؛ أي: في شكٍّ من أمر القرآن وكونه من عند الله عزّ وجل [14]. «وفيه تعريضٌ بغيره صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه معصومٌ عن الشَّك في القرآن» [15].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾؛ أي: القرآن حَقٌّ من الله تعالى لا مرية ولا شكَّ فيه، كما قال تعالى: ﴿ الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 1، 2]. وقال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 1، 2] [16].
«وتعريف ﴿ الْحَقّ ﴾؛ لإفادة قَصْرِ جنسِ الحقِّ على القرآن. وهو قَصْرُ مبالغةٍ لكمال جنس الحقِّ فيه حتى كأنه لا يوجد حق غيره، مثل قولك: حاتم الجواد»[17].
وقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ «إمَّا جَهْلًا منهم وضَلالًا، وإِمَّا ظُلمًا وعِنادًا وبغيًا. وإلاَّ فَمَنْ كان قَصْدُه حَسَنًا، وفهمُه مستقيمًا، فلا بد أن يؤمن به؛ لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان مِنْ كلِّ وَجْه» [18].
5- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 48، 49]. والقذف: الرَّمي بالسَّهم والحصى والكلام، ومعناه: أتى بالحقِّ وبالوحي ينزله من السَّماء فيقذفه إلى الأنبياء [19]. وقوله تعالى: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ ﴾ «وهو الإسلام والقرآن» [20].
فهذا القرآن العظيم الذي جاء به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هو الحق: الحقُّ القويُّ الذي يقذف به الله تعالى. وكأنَّما الحقُّ قذيفةٌ تصدع وتخرق وتنفذ ولا يقف لها أحد في طريق، يقذف بها الله تعالى علاَّمُ الغيوب، فهو تعالى يقذف بها عن عِلم، ويوجهها علاَّم الغيوب، فلا يخفى عليه هدف، ولا تغيب عنه غاية، فالطريق أمامه تعالى مكشوف ليس فيه ستور، فمَنْ ذا يقف للحقِّ الذي يقذف به الله تعالى؟
ومن خلال تسمية القرآن الكريم باسم (الحقِّ) تبرز عظمتُه ومنزلتُه العالية، فلا بدَّ أن يؤمن النَّاس بهذا الحقِّ الأوحد ويستجيبوا له؛ لأنَّ مصدره هو الإله الأوحد جلَّ جلالُه، ولا يوجد حقٌّ غيره، ففيه تعريضٌ بغيره من الكتب المُحَرَّفة؛ لاختلاط الحقِّ بالباطل فيها.
[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 269)، مادة: «حقَّ».
[2] المفردات في غريب القرآن (ص132)، مادة: «حق».
[3] مختار الصحاح (1/ 62)، مادة: «حقق».
[4] رواه البخاري، (4/ 1973)، (ح6267)؛ ومسلم، (1/ 58)، (ح30).
[5] انظر: لسان العرب (10/ 50)، مادة: «حقق».
[6] معجم مقاييس اللغة (1/ 270).
[7] فتح القدير، للشوكاني (15/ 401).
[8] تفسير الواحدي (2/ 713).
[9] «الدَّامِغَةُ منَ الشِّجَاج: إِحْدَى الشِّجاجِ العَشْرِ، وهي التي تَبْلُغُ الدِّماغَ، فَتَقْتُلُ لِوَقْتِهَا». انظر: المعجم الوسيط (ص297)، مادة: «دمغ».
[10] تفسير القرطبي (11/ 295).
[11] تفسير الثعالبي (1/ 529).
[12] انظر: أضواء البيان (7/ 246).
[13] تفسير ابن كثير (3/ 315).
[14] انظر: تفسير أبي السعود (4/ 195).
[15] فتح القدير، للشوكاني (2/ 488).
[16] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 441).
[17] التحرير والتنوير (11/ 227).
[18] تفسير السعدي (2/ 359).
[19] انظر: تفسير البغوي (3/ 562، 563).
[20] زاد المسير (6/ 466).