SAMAR
06-02-2021, 08:11 PM
اشارت دار الإفتاء، المؤسسة القاهرية الوقورة المسؤولة عن إصدار الفتاوى الإسلامية، في ديسمبر الماضي إلى إحصائية غامضة تذكر أن العدد الفعلي للمصريين الملحدين هو 866 ملحد. كما قدمت الإحصائية أعداد أخرى على نفس المستوى من الدقة خاصة بالملحدين في الدول العربية، حيث يوجد، وفق الإحصائية، 325 ملحد في المغرب، 320 في تونس، 242 في العراق، 178 في السعودية، 170 في الأردن، 70 في السودان، 56 في سوريا، 34 في ليبيا، و32 في اليمن. أي إجمالي 2293 ملحد بين 300 مليون نسمة.
سخر العديد من المعلقين من تلك الأرقام. سألت صحيفة “جاردين” الناشطة المصرية العلمانية رباب كمال، إن كانت تعتقد أن العدد 866 دقيق. فردت كمال ساخرة: “يمكنني أن أحصى عددا من الملحدين داخل جامعة الأزهر فقط أكبر من هذا العدد“، في إشارة إلى المؤسسة العلمية بالقاهرة التي مثلت مركزا للدراسات الإسلامية لما يقارب الألف عام. وعلق براين ويتاكر، المراسل المخضرم بالشرق الأوسط ومؤلف كتاب “عرب دون إله”: “أحد الأفكار الممكنة أن العدد بالنسبة للأردن (170) بالكاد يطابق عدد أعضاء أحد المجموعات الأردنية الإلحادية على موقع فيس بوك. لذلك فمن المحتمل أن الباحثين كانوا ببساطة يحاولون أن يحددوا أعداد الملحدين النشطين من عدة دول على وسائل التواصل الإجتماعي“.
حتى وفق هذا المعيار، تعتبر أرقام دار الإفتاء منخفضة نوعا ما. فعندما بحثت مؤخرا على موقع فيسبوك باللغة العربية والإنجليزية، مع مزج كلمة “ملحد” بأسماء دول عربية مختلفة، وجدت ما يفوق 250 صفحة أو مجموعة، مع عدد أعضاء يتراوح بين بعض الأفراد وحتى أكثر من 11 ألف عضو. وتتعلق تلك الأعداد فقط بالملحدين العرب (أو العرب المهتمين بموضوع الإلحاد) الملتزمين كفاية لدرجة ترك أثر لهم على الإنترنت. وقال مؤمن، ملحد مصري، للمؤرخ المصري حامد عبد الصمد مؤخرا: “تخميني هو أن كل عائلة مصرية بها ملحد، أو على الأقل شخص لديه أفكار منتقدة للإسلام“، “ولكنهم فقط خائفون من إعلان ذلك لأي شخص”.
بينما تهون الدول العربية من شأن الملحدين بين مواطنيها، يجدر لوم الغرب بسبب عجزه عن تخيل وجود ملحد عربي. وفي وسائل الإعلام الغربية، لا يتمثل السؤال في إن كان العرب متدينون، بل إلى أي مدى يمكن لتدينهم (المفترض) أن يضر الغرب. ففي أوروبا، يركز النقاش على الهجرة (هل “المهاجرون العرب” ضارون تجاه الحريات العلمانية؟) بينما في الولايات المتحدة، يتمحور الموضوع الأساسي حول الإرهاب (هل “المسلمون” متعاطفون مع الإرهاب؟). أما بالنسبة للحوار السياسي، فإن من على اليمين يشتبهون في أن “المسليين” عدائيين تجاه الحريات الشخصية ومتعاطفين تجاه الجهاد، بينما يسعى اليساريون إلى إبراء “المسلمين” عبر تسليط الضوء على تدينهم “المسالم” و”المعتدل”. ولكن لم يترك أحد الشعوب العربية إلى حالها بسبب ديانتهم الإسلامية. ويبني الطرفين حجتهما على فرضية أنه عندما يتعلق الأمر بالشعوب العربية فإن التدين أمر معطى لا يرقى إليه الشك، وكأنه شيء رسمي عرقي في حمضهم النووي.
يمكن أن يكون الربيع العربي قد توقف، إن لم يكن قد انحسر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمعتقدات والاتجاهات الدينية، فإننا نشهد نشاطا جيليا. فالكثير من الأفراد يميلون بعيدا عن التدين التام الذي حاول الغربيون كرد فعل عكسي أن يربطوه بالعالم العربي. في عام 2012، وجد استطلاع للرأي الدولي أجرته مؤسسة “وين جالوب” أن خمسة بالمئة من مواطنين السعوديين – أي أكثر من مليون شخص – يعتبرون أنفسهم “ملحدين مقتنعين”، وهي نفس نسبة الولايات المتحدة. بينما يعتبر 19 بالمئة من السعوديين – حوالي ستة ملايين نسمة – أنفسهم “غير متدينيين”. (في إيطاليا، تصل النسبة إلى 15 بالمئة). تلك الأرقام صادمة بشكل أكبر في ضوء أن عدة دول عربية، ومنها السعودية، الإمارات، السودان، اليمن، تتمسك بالشريعة الإسلامية التي تعاقب الردة بالموت.
إلا أن عقوبة الإعدام لا تطبق أبدا تقريبا، حيث يقضي الملحدون المدانون فترات متفاوتة في السجن قبل منحهم فرصة للاستدراك. أما الدول العربية التي ليس بها قوانين للردة فلديها طرق لكبح التعبير عن عدم الإيمان. ففي المغرب والجزائر، تنتظر عقوبات السجن من يدان باستخدام “وسائل إغواء” لتحويل مسلم عن دينه. وتلجأ مصر إلى صور واسعة من قوانين مكافحة الكفر للحكم بالسجن على من أعلنوا إلحادهم، وفي الأردن وعمان، يتعرض من يترك الإسلام علانية إلى نوع من الموت المدني – عبر مجموعة من القوانين التي تشمل بطلان الزواج والتجريد من حقوق الميراث.
يمكن للعقوبات المنصوص عليها أن تكون خطيرة. ففي يناير الماضي، حكم على الطالب المصري كريم البنا، 21 عام، بالسجن لثلاث سنوات بتهمة “إهانة الإسلام”، لأنه أعلن إلحاده على فيسبوك. كما شهد والده ضده. وفي فبراير 2012، تعرض الكاتب السعودي حمزة كاشغري للسجن دون محاكمة لمدة قاربت العامين بسبب ثلاث تغريدات موجهة للنبي محمد، وكانت التغريدة الأكثر إثارة للجدل: ” لن انحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند“. وفي الشهر التالي، حكمت محكمة تونسية على المدونين غازي بيجي وجابر الماجري بالسجن لسبع سنوات بتهمة “التجاوز على الأخلاق العامة والتشهير وإرباك النظام العام“، بعد أن نشرا تعليقات ورسوم ساخرة من النبي محمد. العام الماضي، حكم على رائف البدوي، مؤسس مدونة “الليبراليون السعوديون الأحرار” المتخصصة بمناقشة الدين، بالسجن لعشر سنوات وبالجلد 1000 جلدة. وفي ديسمبر الماضي، حكم على كاتب العمود الموريتاني محمد الشيخ ولد امخيطير بالإعدام لكتابته مقالا منتقدا لنظام التمييز الطبقي الخاص ببلاده، والذي تعقب آلياته وصولا إلى قرارات اتخذها النبي في القرن السابع. والحكم النهائي في انتظار الاستئناف.
رغم تلك الإجراءات الوحشية، تعتبر نسبة الأشخاص الذين يعبرون عن قدر ما من التشكيك الديني أكبر في العالم العربي (22 بالمئة) من جنوب آسيا (17 بالمئة)، وأمريكا اللاتينية (16 بالمئة). ورغم أن النسبة المتوسطة تصل إلى 22 بالمئة فقط إلا أنها ترتفع في بعض الدول العربية، حيث تصل إلى 24 بالمئة في تونس وإلى 37 بالمئة في لبنان. وفي ضوء مدى إعاقة البيئة الاجتماعية والسياسية العربية للتعبير عن الإلحاد، يرجح أن يكون عدد المتشككين أكبر كثيرا إن شعر الأفراد بحرية أكبر عند الحديث عما يدور في عقولهم. حيث قال الناشط الملحد المصري، أحمد حرقان، لموقع “أهرام أونلاين”: “إن حفظت الدولة وحمت حقوق الأقليات، ستتضاعف أعداد من يعلنون عن إلحادهم عشرات الأضعاف”.
في ربيع عام 2011، مر العالم العربي بحالة تشنج ثوري شملت المنطقة بأسرها. ففي تونس، القاهرة، وأماكن أخرى بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نزل آلاف الشباب إلى الميادين العامة مطالبين بحريات جديدة. وفي غضون ذلك، كان وليد الحسيني في زنزانة سجن في قلقيلية بالضفة الغربية بفلسطين. حيث تم اعتقال الشاب وعمره 22 عاما منذ أشهر قليلة من مقهى إنترنت على يد عناصر الاستخبارات الفلسطينية. وكان الحسيني في مقهى انترنت لأنه قرر عدم التدوين من منزله بسبب التهديدات التي تلقاها إثر نشره لمشاركات بمدونته “نور العقل”.
سخر العديد من المعلقين من تلك الأرقام. سألت صحيفة “جاردين” الناشطة المصرية العلمانية رباب كمال، إن كانت تعتقد أن العدد 866 دقيق. فردت كمال ساخرة: “يمكنني أن أحصى عددا من الملحدين داخل جامعة الأزهر فقط أكبر من هذا العدد“، في إشارة إلى المؤسسة العلمية بالقاهرة التي مثلت مركزا للدراسات الإسلامية لما يقارب الألف عام. وعلق براين ويتاكر، المراسل المخضرم بالشرق الأوسط ومؤلف كتاب “عرب دون إله”: “أحد الأفكار الممكنة أن العدد بالنسبة للأردن (170) بالكاد يطابق عدد أعضاء أحد المجموعات الأردنية الإلحادية على موقع فيس بوك. لذلك فمن المحتمل أن الباحثين كانوا ببساطة يحاولون أن يحددوا أعداد الملحدين النشطين من عدة دول على وسائل التواصل الإجتماعي“.
حتى وفق هذا المعيار، تعتبر أرقام دار الإفتاء منخفضة نوعا ما. فعندما بحثت مؤخرا على موقع فيسبوك باللغة العربية والإنجليزية، مع مزج كلمة “ملحد” بأسماء دول عربية مختلفة، وجدت ما يفوق 250 صفحة أو مجموعة، مع عدد أعضاء يتراوح بين بعض الأفراد وحتى أكثر من 11 ألف عضو. وتتعلق تلك الأعداد فقط بالملحدين العرب (أو العرب المهتمين بموضوع الإلحاد) الملتزمين كفاية لدرجة ترك أثر لهم على الإنترنت. وقال مؤمن، ملحد مصري، للمؤرخ المصري حامد عبد الصمد مؤخرا: “تخميني هو أن كل عائلة مصرية بها ملحد، أو على الأقل شخص لديه أفكار منتقدة للإسلام“، “ولكنهم فقط خائفون من إعلان ذلك لأي شخص”.
بينما تهون الدول العربية من شأن الملحدين بين مواطنيها، يجدر لوم الغرب بسبب عجزه عن تخيل وجود ملحد عربي. وفي وسائل الإعلام الغربية، لا يتمثل السؤال في إن كان العرب متدينون، بل إلى أي مدى يمكن لتدينهم (المفترض) أن يضر الغرب. ففي أوروبا، يركز النقاش على الهجرة (هل “المهاجرون العرب” ضارون تجاه الحريات العلمانية؟) بينما في الولايات المتحدة، يتمحور الموضوع الأساسي حول الإرهاب (هل “المسلمون” متعاطفون مع الإرهاب؟). أما بالنسبة للحوار السياسي، فإن من على اليمين يشتبهون في أن “المسليين” عدائيين تجاه الحريات الشخصية ومتعاطفين تجاه الجهاد، بينما يسعى اليساريون إلى إبراء “المسلمين” عبر تسليط الضوء على تدينهم “المسالم” و”المعتدل”. ولكن لم يترك أحد الشعوب العربية إلى حالها بسبب ديانتهم الإسلامية. ويبني الطرفين حجتهما على فرضية أنه عندما يتعلق الأمر بالشعوب العربية فإن التدين أمر معطى لا يرقى إليه الشك، وكأنه شيء رسمي عرقي في حمضهم النووي.
يمكن أن يكون الربيع العربي قد توقف، إن لم يكن قد انحسر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمعتقدات والاتجاهات الدينية، فإننا نشهد نشاطا جيليا. فالكثير من الأفراد يميلون بعيدا عن التدين التام الذي حاول الغربيون كرد فعل عكسي أن يربطوه بالعالم العربي. في عام 2012، وجد استطلاع للرأي الدولي أجرته مؤسسة “وين جالوب” أن خمسة بالمئة من مواطنين السعوديين – أي أكثر من مليون شخص – يعتبرون أنفسهم “ملحدين مقتنعين”، وهي نفس نسبة الولايات المتحدة. بينما يعتبر 19 بالمئة من السعوديين – حوالي ستة ملايين نسمة – أنفسهم “غير متدينيين”. (في إيطاليا، تصل النسبة إلى 15 بالمئة). تلك الأرقام صادمة بشكل أكبر في ضوء أن عدة دول عربية، ومنها السعودية، الإمارات، السودان، اليمن، تتمسك بالشريعة الإسلامية التي تعاقب الردة بالموت.
إلا أن عقوبة الإعدام لا تطبق أبدا تقريبا، حيث يقضي الملحدون المدانون فترات متفاوتة في السجن قبل منحهم فرصة للاستدراك. أما الدول العربية التي ليس بها قوانين للردة فلديها طرق لكبح التعبير عن عدم الإيمان. ففي المغرب والجزائر، تنتظر عقوبات السجن من يدان باستخدام “وسائل إغواء” لتحويل مسلم عن دينه. وتلجأ مصر إلى صور واسعة من قوانين مكافحة الكفر للحكم بالسجن على من أعلنوا إلحادهم، وفي الأردن وعمان، يتعرض من يترك الإسلام علانية إلى نوع من الموت المدني – عبر مجموعة من القوانين التي تشمل بطلان الزواج والتجريد من حقوق الميراث.
يمكن للعقوبات المنصوص عليها أن تكون خطيرة. ففي يناير الماضي، حكم على الطالب المصري كريم البنا، 21 عام، بالسجن لثلاث سنوات بتهمة “إهانة الإسلام”، لأنه أعلن إلحاده على فيسبوك. كما شهد والده ضده. وفي فبراير 2012، تعرض الكاتب السعودي حمزة كاشغري للسجن دون محاكمة لمدة قاربت العامين بسبب ثلاث تغريدات موجهة للنبي محمد، وكانت التغريدة الأكثر إثارة للجدل: ” لن انحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند“. وفي الشهر التالي، حكمت محكمة تونسية على المدونين غازي بيجي وجابر الماجري بالسجن لسبع سنوات بتهمة “التجاوز على الأخلاق العامة والتشهير وإرباك النظام العام“، بعد أن نشرا تعليقات ورسوم ساخرة من النبي محمد. العام الماضي، حكم على رائف البدوي، مؤسس مدونة “الليبراليون السعوديون الأحرار” المتخصصة بمناقشة الدين، بالسجن لعشر سنوات وبالجلد 1000 جلدة. وفي ديسمبر الماضي، حكم على كاتب العمود الموريتاني محمد الشيخ ولد امخيطير بالإعدام لكتابته مقالا منتقدا لنظام التمييز الطبقي الخاص ببلاده، والذي تعقب آلياته وصولا إلى قرارات اتخذها النبي في القرن السابع. والحكم النهائي في انتظار الاستئناف.
رغم تلك الإجراءات الوحشية، تعتبر نسبة الأشخاص الذين يعبرون عن قدر ما من التشكيك الديني أكبر في العالم العربي (22 بالمئة) من جنوب آسيا (17 بالمئة)، وأمريكا اللاتينية (16 بالمئة). ورغم أن النسبة المتوسطة تصل إلى 22 بالمئة فقط إلا أنها ترتفع في بعض الدول العربية، حيث تصل إلى 24 بالمئة في تونس وإلى 37 بالمئة في لبنان. وفي ضوء مدى إعاقة البيئة الاجتماعية والسياسية العربية للتعبير عن الإلحاد، يرجح أن يكون عدد المتشككين أكبر كثيرا إن شعر الأفراد بحرية أكبر عند الحديث عما يدور في عقولهم. حيث قال الناشط الملحد المصري، أحمد حرقان، لموقع “أهرام أونلاين”: “إن حفظت الدولة وحمت حقوق الأقليات، ستتضاعف أعداد من يعلنون عن إلحادهم عشرات الأضعاف”.
في ربيع عام 2011، مر العالم العربي بحالة تشنج ثوري شملت المنطقة بأسرها. ففي تونس، القاهرة، وأماكن أخرى بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نزل آلاف الشباب إلى الميادين العامة مطالبين بحريات جديدة. وفي غضون ذلك، كان وليد الحسيني في زنزانة سجن في قلقيلية بالضفة الغربية بفلسطين. حيث تم اعتقال الشاب وعمره 22 عاما منذ أشهر قليلة من مقهى إنترنت على يد عناصر الاستخبارات الفلسطينية. وكان الحسيني في مقهى انترنت لأنه قرر عدم التدوين من منزله بسبب التهديدات التي تلقاها إثر نشره لمشاركات بمدونته “نور العقل”.