نزف القلم
08-18-2021, 09:31 AM
• الآية 17: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾: يعني ليس مِن شأن المشركين - ولا يَصِحّ منهم - إعمار بيوت الله تعالى ببنائها وصيانتها وتنظيفها، وهم يُعلنون كُفرهم باللهِ ويجعلون له شركاء، (قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: شهادتهم بالكُفر هي سجودهم للأصنام، مع إقرارهم بأنها مخلوقة واللهُ خالقها)، ﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ أي بَطُلَتْ وضاعت يوم القيامة، لِفَقْدِها شَرط الإخلاص للهِ تعالى، ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾.
• واعلم أن سبب نزول هذه الآية أنّ مِن المشركين مَن ادَّعَى أنه يَعمُرُ المسجد الحرام بسِقاية الحَجيج وغير ذلك، فأبْطَلَ اللهُ تعالى هذا الادِّعاء بقوله: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾.
• الآية 18: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ حقاً: ﴿ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾: يعني وهؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى طريق النجاة من النار والفوز بالجنة (لأنّ كلمة (عسى) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد التأكيد ووجوب الوقوع).
• فإذا قال قائل: (قوْلُهُ تعالى: ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ يَدل على أنّ المؤمن - الكامل الإيمان - لا يَخشى إلا الله، فكيف ذلك والأنبياء كانوا يَخشون أعداءهم وهم أكْمَلُ الناس إيماناً؟)
• والجواب الصحيح أنّ الأنبياء والمؤمنين العاملين لا يَخشون إلا اللهَ تعالى، فإذا خافوا عَدُوَّاً، ليس معناه أنهم خافوهُ لِذاته، وإنما خافوا مِن أن يكون اللهُ تعالى قد سَلَطّهُ عليهم، فخَوْفهم في الحقيقة عائدٌ إلى اللهِ تعالى، إذ هو الذي بيده الأمر، وكذلك فإنّ الخوف من العدو هو ما يُسَمّى بالخوف الفِطري (كخوف موسى عليه السلام عندما تحولت العصا إلى ثعبان وغير ذلك).
• الآية 19: ﴿ أَجَعَلْتُمْ ﴾ - أيها المشركون - ﴿ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ﴾ وهو مكانٌ يُوضَع فيه الماء في المسجد الحرام ويُسقَى منه الحَجيج مجاناً، ﴿ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي بنائه وصيانته وتطهيره، أجعلتم مَن يَقومُ بذلك ﴿ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ؟ ﴿ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ﴾: أي لا تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله، لأنّ اللهَ لا يَقبل عملاً بغير إيمان، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ المشركين، فلا يَهديهم إلى طريق كمالهم وسعادتهم وهو الإسلام.
• الآية 20، والآية 21، والآية 22: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ من دار الكفر إلى دار الإسلام، ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ لإعلاء كَلِمَتِهِ سبحانه، أولئك ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ﴾ مِمَّن آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ (هذا اللفظ للمبالغة في عِظَم فوزهم، حتى إنّ فوْزَ غيرهم - من المؤمنين الذين لم يهاجروا - بالنسبة إلى فوزهم يُعَدّ كالمعدوم)، ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ ﴾ لا سخط بعده أبداً، ﴿ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ لِمَن آمَنَ وعمل صالحاً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
• الآية 23: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ بالمَحبة والنُصرة وبإفشاء أسرار المسلمين إليهم، وباستشارتهم في أموركم ﴿ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ ﴾ واختاروه (عَلَى الْإِيمَانِ)، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الذين يَضعون الشيء في غير مَوضعه، لأن المَحبة والنُصرة لا تكونُ إلا للمؤمنين.
• الآية 24: (﴿ قُلْ ﴾) - أيها الرسول - للمؤمنين: ﴿ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾ - والعشيرة هم الأقرباء من النَسَب، كالأعمام وأبنائهم - ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾ أي جمعتموها ﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾ أي تخافون قلة بَيْعها في الأسواق (وذلك بمقاطعة كثير من التجار المشركين لكم، وبانقطاعكم عن التجارة أيام الجهاد)، ﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾ وهي البيوت الفاخرة التي أقمتم فيها، إنْ كانَ ذلك كله ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ﴾ فتركتم الهجرة والجهاد من أجل تلك الأشياء: فأنتم فاسقونَ ظالمون ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾: أي فانتظروا عقوبة هذه المعصية - إن لم تتوبوا عن ذلك فتهاجروا وتجاهدوا - ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
• وعلى هذا فإذا حصل التعارض بين ما أراده اللهُ تعالى وبين ما تحبه نفس المؤمن: وَجَبَ على المؤمن التخلص منها وإرضاء ربه.
• الآية 25، والآية 26، والآية 27: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾ أي في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله، ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ﴾: يعني وخاصةً في غزوة حُنَيْن ﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾ (حيثُ كان جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، وكان عَدُوُّهم أربعة آلاف فقط)، ﴿ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ﴾: أي فلم تنفعكم هذه الكثرة، بسبب غروركم واعتمادكم على الأسباب دون الاعتماد على نَصْر ربكم، فظَهَرَ عليكم العدو، وانهزمتم في أول اللقاء، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: أي ولم تجدوا مكاناً تهربون إليه في الأرض الواسعة، كأنكم مَحصورون في مكان ضيق، ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾: يعني ثم فرَرْتم مُنهزمين، ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ﴾ أي أنزل الطمأنينة والثبات ﴿ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فثَبَتوا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبد المُطَّلِب، اللهم نَزِّل نَصْرك"، فاستجابَ اللهُ دعائه ﴿ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾: أي وأمَدَّكم بجنودٍ من الملائكة لم تروها، فنَصَرَكم على عدوكم، ﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بأيديكم وأيدي الملائكة ﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾.
﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾ من المشركين الذين بَقوا أحياء بعد الحرب، فيُدخِلهم في الإسلام ويَغفر ذنوبهم، ويَرحمهم بدخول الجنة ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
• الآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ أي أصحابُ نجاسة معنوية، وذلك لِخُبث أرواحهم بالشِرك، ﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾: أي فلا تُمَكِّنُوهم من الاقتراب من الحَرَم بعد هذا العام (وهو العام التاسع من الهجرة، أو عام حجة الوداع - على خِلافٍ بين المفسرين)، ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾: يعني وإن خِفتم فقرًا لانقطاع تجارتهم عنكم: ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ ويُعَوِّضكم عن هذه التجارة ﴿ إِنْ شَاءَ ﴾ سبحانه ذلك (واعلم أن هذا الاستثناء منه سبحانه حتى تَبقى قلوب المؤمنين متعلقةً بربها، راجيةً فضله، خائفةً مِن زَوال نعمته وتَحَوُّل عافيته، غيرَ غافلةٍ عن طاعته وتقواه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ﴾ بحالكم، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبير شؤونكم، فلا يَضع سبحانه شيئاً إلا في مَوضعه (وفي ذلك إرشادٌ لمن أراد فَضْلَ اللهِ تعالى ورحمته: أن يجتهد في أن يكون أهْلاً لذلك بالإيمان والطاعة).
• الآية 29: ﴿ قَاتِلُوا ﴾ الكفار المُحارِبين ﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ إيماناً صحيحاً يَرضاهُ اللهُ تعالى، ويُنجي صاحبه من عذاب الله (كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم) ﴿ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ كالخمر والربا وسائر المُحَرَّمات ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ﴾: أي والذين لا يَلتزمون بأحكام الإسلام ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾: أي حتى يَدفعوا الجِزْيَةَ التي تفرضونها عليهم (واعلم أنّ الجِزْيَة هي قَدْر مالي مُحَدَّد يَدفعه أهل الكتاب لِوُلاة أمور المسلمين في كل سنة مقابل حمايتهم)، فإنّ الإسلام يُعرَضُ أولاً على أهل الكتاب، فإنْ قَبلوه: فهو خيرٌ لهم في دُنياهم وأُخراهُم، وإن رفضوه: يُطلَبُ منهم الدخول في حماية المسلمين تحت شعار: الجِزْيَة، وهي رَمزٌ دالّ على قبولهم لحماية المسلمين، فإذا دفعوها: حَقَنوا دماءهم، وحَفظوا أموالهم، وأمِنوا في حياتهم وكنائسهم.
• وقوله تعالى: ﴿ عَنْ يَدٍ ﴾: أي يُقدمونها بأيديهم، لا يُنِيبون فيها غيرهم ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾: أي وهم خاضعون لِحُكم الإسلام، (وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (عَنْ يَدٍ) أي بأنْ يكون قادراً على دفع الجزية (لِغِناهُ وعدم فقره)، لأنّ الفقير منهم لا يُطالَب بالجِزْيَة، والله أعلم).
• الآية 30: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ - وعُزَيْر: هو الذي أماته اللهُ مائة عامٍ ثم بَعَثه -، ﴿ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ فقد أشْرَكَ مَن قال هذا القول منهم، لأنهم اتخذوا إلهاً يَعبدونه مع الله، وقد كَذَبوا على اللهِ تعالى فيما نسبوه إليه، لأنّ ﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: يعني لأنّ هذا القول قد اختلقوه من عند أنفسهم وما أنزل اللهُ به من سلطان، وهم بذلك ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾: أي يُشابهون قول المشركين مِن قبلهم، وهم العرب الذين قالوا: (الملائكة بنات الله)، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً، و﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: أي لَعَنَ اللهُ المشركين جميعًا، كيف يَنصرفون عن الحق إلى الباطل، رغم وضوح الحق وقوَّة أدِلَّته؟!
• واعلم أن قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾، المقصود به: بعض اليهود الذين قالوا هذا القول وليس كل اليهود، وهذا كقوله تعالى: (﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾) فهو لفظ عام، والمُراد به بعض الناس.
• الآية 31: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ ﴾: أي اتخذ اليهودُ والنصارَى علماءَهم وعُبَّادَهم ﴿ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾: أي آلهةً يُشَرِّعون لهم الأحكام، فيَلتزمون بها ويتركون شرائع اللهِ تعالى، ﴿ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾: أي واتخذ النصارَى المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعَبَدوه، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ﴾: أي وقد أمَرَهم اللهُ بعبادته وحده دونَ غيره، فهو الإله الحق الذي ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا يَستحق العبادة إلا هو ﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: أي تَنَزَّه وتَقدَّسَ عَمَّا يَفتريه أهل الشِرك والضَلال.
• الآية 32: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: أي يريد هؤلاء الكفار - بتكذيبهم - أن يُبطِلوا دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾: يعني ولن يَقبلَ اللهُ تعالى إلا بأن يُتِمَّ دينه ويُعلِيَ كلمته ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.
• الآية 33: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ﴾ محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾: أي بالقرآن ودين الإسلام; ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾: أي لِيُعلِيَهُ على الأديان كلها ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾.
• وقد حَقَّقَ سبحانه وعده، فالإسلامُ ظاهرٌ في الأرض كلها، سَمِعَ به أهل الشرق والغرب، واعتنقه كثيرٌ منهم، وخَضَعَ له العالم أجْمَع على عهد الصحابة والتابعين، وسيأتي اليوم الذي يَسُودُ فيه الإسلامُ أهلَ الدنيا جميعاً.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
رامي حنفي محمود
• واعلم أن سبب نزول هذه الآية أنّ مِن المشركين مَن ادَّعَى أنه يَعمُرُ المسجد الحرام بسِقاية الحَجيج وغير ذلك، فأبْطَلَ اللهُ تعالى هذا الادِّعاء بقوله: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾.
• الآية 18: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾ حقاً: ﴿ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾: يعني وهؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى طريق النجاة من النار والفوز بالجنة (لأنّ كلمة (عسى) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد التأكيد ووجوب الوقوع).
• فإذا قال قائل: (قوْلُهُ تعالى: ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ يَدل على أنّ المؤمن - الكامل الإيمان - لا يَخشى إلا الله، فكيف ذلك والأنبياء كانوا يَخشون أعداءهم وهم أكْمَلُ الناس إيماناً؟)
• والجواب الصحيح أنّ الأنبياء والمؤمنين العاملين لا يَخشون إلا اللهَ تعالى، فإذا خافوا عَدُوَّاً، ليس معناه أنهم خافوهُ لِذاته، وإنما خافوا مِن أن يكون اللهُ تعالى قد سَلَطّهُ عليهم، فخَوْفهم في الحقيقة عائدٌ إلى اللهِ تعالى، إذ هو الذي بيده الأمر، وكذلك فإنّ الخوف من العدو هو ما يُسَمّى بالخوف الفِطري (كخوف موسى عليه السلام عندما تحولت العصا إلى ثعبان وغير ذلك).
• الآية 19: ﴿ أَجَعَلْتُمْ ﴾ - أيها المشركون - ﴿ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ﴾ وهو مكانٌ يُوضَع فيه الماء في المسجد الحرام ويُسقَى منه الحَجيج مجاناً، ﴿ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي بنائه وصيانته وتطهيره، أجعلتم مَن يَقومُ بذلك ﴿ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ؟ ﴿ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ﴾: أي لا تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله، لأنّ اللهَ لا يَقبل عملاً بغير إيمان، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ المشركين، فلا يَهديهم إلى طريق كمالهم وسعادتهم وهو الإسلام.
• الآية 20، والآية 21، والآية 22: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ من دار الكفر إلى دار الإسلام، ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ لإعلاء كَلِمَتِهِ سبحانه، أولئك ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ﴾ مِمَّن آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ (هذا اللفظ للمبالغة في عِظَم فوزهم، حتى إنّ فوْزَ غيرهم - من المؤمنين الذين لم يهاجروا - بالنسبة إلى فوزهم يُعَدّ كالمعدوم)، ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ ﴾ لا سخط بعده أبداً، ﴿ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ لِمَن آمَنَ وعمل صالحاً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
• الآية 23: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ بالمَحبة والنُصرة وبإفشاء أسرار المسلمين إليهم، وباستشارتهم في أموركم ﴿ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ ﴾ واختاروه (عَلَى الْإِيمَانِ)، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الذين يَضعون الشيء في غير مَوضعه، لأن المَحبة والنُصرة لا تكونُ إلا للمؤمنين.
• الآية 24: (﴿ قُلْ ﴾) - أيها الرسول - للمؤمنين: ﴿ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾ - والعشيرة هم الأقرباء من النَسَب، كالأعمام وأبنائهم - ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾ أي جمعتموها ﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾ أي تخافون قلة بَيْعها في الأسواق (وذلك بمقاطعة كثير من التجار المشركين لكم، وبانقطاعكم عن التجارة أيام الجهاد)، ﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾ وهي البيوت الفاخرة التي أقمتم فيها، إنْ كانَ ذلك كله ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ﴾ فتركتم الهجرة والجهاد من أجل تلك الأشياء: فأنتم فاسقونَ ظالمون ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾: أي فانتظروا عقوبة هذه المعصية - إن لم تتوبوا عن ذلك فتهاجروا وتجاهدوا - ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
• وعلى هذا فإذا حصل التعارض بين ما أراده اللهُ تعالى وبين ما تحبه نفس المؤمن: وَجَبَ على المؤمن التخلص منها وإرضاء ربه.
• الآية 25، والآية 26، والآية 27: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾ أي في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله، ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ﴾: يعني وخاصةً في غزوة حُنَيْن ﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾ (حيثُ كان جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، وكان عَدُوُّهم أربعة آلاف فقط)، ﴿ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ﴾: أي فلم تنفعكم هذه الكثرة، بسبب غروركم واعتمادكم على الأسباب دون الاعتماد على نَصْر ربكم، فظَهَرَ عليكم العدو، وانهزمتم في أول اللقاء، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: أي ولم تجدوا مكاناً تهربون إليه في الأرض الواسعة، كأنكم مَحصورون في مكان ضيق، ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾: يعني ثم فرَرْتم مُنهزمين، ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ﴾ أي أنزل الطمأنينة والثبات ﴿ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فثَبَتوا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبد المُطَّلِب، اللهم نَزِّل نَصْرك"، فاستجابَ اللهُ دعائه ﴿ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾: أي وأمَدَّكم بجنودٍ من الملائكة لم تروها، فنَصَرَكم على عدوكم، ﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بأيديكم وأيدي الملائكة ﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾.
﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾ من المشركين الذين بَقوا أحياء بعد الحرب، فيُدخِلهم في الإسلام ويَغفر ذنوبهم، ويَرحمهم بدخول الجنة ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
• الآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ أي أصحابُ نجاسة معنوية، وذلك لِخُبث أرواحهم بالشِرك، ﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾: أي فلا تُمَكِّنُوهم من الاقتراب من الحَرَم بعد هذا العام (وهو العام التاسع من الهجرة، أو عام حجة الوداع - على خِلافٍ بين المفسرين)، ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾: يعني وإن خِفتم فقرًا لانقطاع تجارتهم عنكم: ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ ويُعَوِّضكم عن هذه التجارة ﴿ إِنْ شَاءَ ﴾ سبحانه ذلك (واعلم أن هذا الاستثناء منه سبحانه حتى تَبقى قلوب المؤمنين متعلقةً بربها، راجيةً فضله، خائفةً مِن زَوال نعمته وتَحَوُّل عافيته، غيرَ غافلةٍ عن طاعته وتقواه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ﴾ بحالكم، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبير شؤونكم، فلا يَضع سبحانه شيئاً إلا في مَوضعه (وفي ذلك إرشادٌ لمن أراد فَضْلَ اللهِ تعالى ورحمته: أن يجتهد في أن يكون أهْلاً لذلك بالإيمان والطاعة).
• الآية 29: ﴿ قَاتِلُوا ﴾ الكفار المُحارِبين ﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ إيماناً صحيحاً يَرضاهُ اللهُ تعالى، ويُنجي صاحبه من عذاب الله (كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم) ﴿ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ كالخمر والربا وسائر المُحَرَّمات ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ﴾: أي والذين لا يَلتزمون بأحكام الإسلام ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾: أي حتى يَدفعوا الجِزْيَةَ التي تفرضونها عليهم (واعلم أنّ الجِزْيَة هي قَدْر مالي مُحَدَّد يَدفعه أهل الكتاب لِوُلاة أمور المسلمين في كل سنة مقابل حمايتهم)، فإنّ الإسلام يُعرَضُ أولاً على أهل الكتاب، فإنْ قَبلوه: فهو خيرٌ لهم في دُنياهم وأُخراهُم، وإن رفضوه: يُطلَبُ منهم الدخول في حماية المسلمين تحت شعار: الجِزْيَة، وهي رَمزٌ دالّ على قبولهم لحماية المسلمين، فإذا دفعوها: حَقَنوا دماءهم، وحَفظوا أموالهم، وأمِنوا في حياتهم وكنائسهم.
• وقوله تعالى: ﴿ عَنْ يَدٍ ﴾: أي يُقدمونها بأيديهم، لا يُنِيبون فيها غيرهم ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾: أي وهم خاضعون لِحُكم الإسلام، (وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (عَنْ يَدٍ) أي بأنْ يكون قادراً على دفع الجزية (لِغِناهُ وعدم فقره)، لأنّ الفقير منهم لا يُطالَب بالجِزْيَة، والله أعلم).
• الآية 30: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ - وعُزَيْر: هو الذي أماته اللهُ مائة عامٍ ثم بَعَثه -، ﴿ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ فقد أشْرَكَ مَن قال هذا القول منهم، لأنهم اتخذوا إلهاً يَعبدونه مع الله، وقد كَذَبوا على اللهِ تعالى فيما نسبوه إليه، لأنّ ﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: يعني لأنّ هذا القول قد اختلقوه من عند أنفسهم وما أنزل اللهُ به من سلطان، وهم بذلك ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾: أي يُشابهون قول المشركين مِن قبلهم، وهم العرب الذين قالوا: (الملائكة بنات الله)، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً، و﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: أي لَعَنَ اللهُ المشركين جميعًا، كيف يَنصرفون عن الحق إلى الباطل، رغم وضوح الحق وقوَّة أدِلَّته؟!
• واعلم أن قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾، المقصود به: بعض اليهود الذين قالوا هذا القول وليس كل اليهود، وهذا كقوله تعالى: (﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾) فهو لفظ عام، والمُراد به بعض الناس.
• الآية 31: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ ﴾: أي اتخذ اليهودُ والنصارَى علماءَهم وعُبَّادَهم ﴿ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾: أي آلهةً يُشَرِّعون لهم الأحكام، فيَلتزمون بها ويتركون شرائع اللهِ تعالى، ﴿ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾: أي واتخذ النصارَى المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعَبَدوه، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ﴾: أي وقد أمَرَهم اللهُ بعبادته وحده دونَ غيره، فهو الإله الحق الذي ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا يَستحق العبادة إلا هو ﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: أي تَنَزَّه وتَقدَّسَ عَمَّا يَفتريه أهل الشِرك والضَلال.
• الآية 32: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: أي يريد هؤلاء الكفار - بتكذيبهم - أن يُبطِلوا دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾: يعني ولن يَقبلَ اللهُ تعالى إلا بأن يُتِمَّ دينه ويُعلِيَ كلمته ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.
• الآية 33: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ﴾ محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾: أي بالقرآن ودين الإسلام; ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾: أي لِيُعلِيَهُ على الأديان كلها ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾.
• وقد حَقَّقَ سبحانه وعده، فالإسلامُ ظاهرٌ في الأرض كلها، سَمِعَ به أهل الشرق والغرب، واعتنقه كثيرٌ منهم، وخَضَعَ له العالم أجْمَع على عهد الصحابة والتابعين، وسيأتي اليوم الذي يَسُودُ فيه الإسلامُ أهلَ الدنيا جميعاً.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
رامي حنفي محمود