المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات قرأنية في قِيامُ اللَّيل وعنايةُ كِبَارِ الأئمة بهِ


نزف القلم
08-29-2021, 01:47 AM
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾.
[سورة بني إسرائيل: الآية 79]
إنَّ أقوى وسيلة لتغذية الروح وشحن (بطارية) القلب: قيام الليل، الذي أكثر القرآن من الحثّ عليه، والترغيب فيه، ومدح أصحابه حتى كأنه ملحق بالفرائض وتابع لها، ولذلك سمّي نافلة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتركه في حضر وسفر، ويذهب كثير من علماء الإسلام، أنه كان فرضاً عليه، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ1/73قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا2/73نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا 3/73أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا4/73إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا5/73إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا6/73إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا7/73وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا8/73رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾[سورة المزمل: الآيات 1 – 9].
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾.[سورة بني إسرائيل: الآية 79].
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد المحافظة عليه، عظيم الحرص والرغبة فيه، وكان يقوم حتى تتورم رجلاه، يقول المغيرة بن شعبة: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر لله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر، قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»، وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بآية من القرآن ليلة.
ويعرف المتتبّع لأخبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والذي يطالع دواوين الحديث وكتب السيرة والتاريخ، أن قيام الليل كان فاشياً منتشراً فيهم حتى أصبح شعاراً لهم، وقد وُصفوا أمام (هِرَقْل) وقادته بأنهم بالليل رهبان وبالنهار فرسان. ويصفهم سيد التابعين ومن أعرف الناس بالصحابة، الإمام الحسن البصري فيقول: (إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدّقوا بها وأفضى يقينها إلى قلوبهم، خشعت لله قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم، كنت والله إذا رأيتهم رأيت قوماً كأنهم رأي عين، ما كانوا بأهل جدل ولا باطل، ولكنهم جاءهم أمر عن الله فصدقوا به، فنَعَتَهم الله في لقرآن أحسن نعت، قال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [سورة الفرقان: الآية63]، إلى أن يقول: ثم ذكر أن ليلهم خير ليل فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [سورة الفرقان: الآية 64] ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سُجَّداً لربهم، تجري دموعهم على خدودهم فَرَقاً من ربهم، قال الحسن: (لأمرٍ ما سهروا ليلهم ولأمر ما خشعوا نهارهم).
وقد كان شعاراً للصالحين والربانيين، والدعاة والمجاهدين والمربين المصلحين في كل عصر وفي كل طبقة، وقد كانوا يأخذون لكفاحهم بالنهار ولأشغالهم التي تتطلب قوة خارقة للعادة، وصبراً لا نفاد له: زاداً ووقوداً من عبادتهم في الليل ومن يقظتهم في الأسحار.
ولا يفهم الإنسان سرّ قوة هؤلاء العلماء الربّانيين، والدُّعاة المصلحين ومثابرتهم على الجهاد في التعليم والإصلاح، وتحمُّلهم للمشاقّ والمِحَن، إلّا إذا رأى مواقفهم بالليل وشأنهم مع ربهم تبارك وتعالى. حتى كان أولئك العلماء الذين قد يعتقد من لا يعرف حقيقتهم، أنهم كانوا من علماء الظاهر، ويتهمهم بالجفاف والخشونة: من كبار المهتمين بقيام الليل والذكر والتسبيح، فما ظن القارئ الكريم، بالذين اشتهروا بكثرة العبادة وشدة الزهد، ورِقَّة القلب والانقطاع إلى تربية النفوس، أمثال الشيخ عبد القادر الجيلاني،والشيخ شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي، والشيخ أحمد بن عبد الأحد السَّرهَنْدي، والسيد أحمد بن عرفان الشهيد الهندي.
يقول العلّامة ابن القيم عن شيخه وأستاذه شيخ الإسلام ابن تيمية: (صلى شيخ الإسلام مرة صلاة الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليّ، وقال: هذه غدوتي، ولم أتغدّ، ولو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي، أو كلاماً قريباً من هذا).
وكذلك كان شأن تلميذه ابن القيم الجوزية، فيقول المؤرخ ابن كثير، وهو يصفه: (لا أعرف في هذا العالم في زمننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة، يطيلها جداً، ويمدّ ركوعها وسجودها يلومه كثير من صحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك).
ويقول العلّامة ابن رجب الحنبلي: (وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألُّه ولَهَج بذكر الله، شُغِف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى، والانكسار له والاطّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك).
وأغرب من ذلك كله أَمْرُ العلّامة الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي الذي هو زعيم النقاد، وحامل لواء الردّ على غلاة الزُهّاد والعُبّاد، يقول سبطه أبو المظفر: (وكان يختم القرآن في كل سبعة أيام)، وقال ابن النجار: (له حظ من لأذواق الصحيحة، ونصيب من شرب حلاوة المناجاة)، وقد ذكر ابن القادسي: (أنه كان يقوم الليل ولا يكاد يفتر عن ذكر الله).
هكذا كان أئمة المسلمين وقادتهم، وزعماء الإصلاح والتجديد، ورجال التعليم والتربية، ومن نفع الله المسلمين بنفوسهم وأنفاسهم، وكتب لمآئرهم وأثارهم الانتشار لواسع والبقاء الطويل، والقبول العظيم والذكر الجميل: من أصحاب العبادة والسهر في الليالي، والقيام في الأسحار، وأصحاب الصلة الروحية بالله تعالى.
وهكذا كان وسيظلُّ: فلا تنشأ يقظة عن غفلة ولا نهضة عن جمود وخمود، ولا حياة من موت، ولا انتباه وانتعاش من قساوة وفتور.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾. [سورة الأحزاب: الآية 62].
المصدر:
- تأملات في القرآن الكريم: الإمام أبو الحسن الندوي.

قصايد
08-29-2021, 05:40 AM
https://2.bp.blogspot.com/-PreHg1ql-5Y/VsCA2Oto44I/AAAAAAAAGNg/-WI2k7c-YOE/s1600/245729.gif

حلا ليالي
08-29-2021, 08:25 AM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك

سلطان الزين
08-29-2021, 01:19 PM
الله يعطيك العافيه
سلمت يداك ودام عطائك

SAMAR
08-29-2021, 03:16 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم
والمميز وفي انتظار جديدك الأروع
والمميز لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب

عواد الهران
08-29-2021, 04:20 PM
بارك الله فيك...

جزاك الله خير الجزاء,

ولك الشكر والامتنان,

والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد,

وقمة التفاعل:

بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه.

أبو محـمد
08-29-2021, 05:20 PM
شكرا على موضوعكم المميز
وانتقائكم الهادف
بارك الله فيكم ... ورفع قدركم فى الدارين
وجعله الله فى ميزان حسناتكم
ورزقكم الفردوس الأعلى من الجنه
دمتم برضى الله مع خالص تحيتي وتقديري

عيسى العنزي
08-29-2021, 09:19 PM
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

روح الورد
08-29-2021, 11:01 PM
جزاك الله كل خير وجعلها في موازين حسناتك
سلمت اناملك ويعطيك العافيه علي مجهودك
في أنتظار المزيد
من عطائك والمزيد ومواضيعك الرائعة والجميله
ودائما في إبداع مستمر
https://k.top4top.io/p_2067jimsc1.jpg (https://top4top.io/)

حور
08-30-2021, 03:43 AM
سلمت يدآك على روعة الطرح
وسلم لنآ ذوقك الراقي على جمال الاختيار ..
لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير ..
اسأل البآري لك سعآدة دائمة ..
ودي وتقديري لسموك

imported_ريآن
09-08-2021, 02:00 AM
جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان

عابر سبيل
09-14-2021, 03:02 AM
نزف القلم

ما شاء الله .. تبارك الرحمن في علاه
أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك
بارك الله فيك واثابك بقدر كل هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم

https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯)
09-27-2021, 11:13 AM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه