عيسى العنزي
10-08-2021, 03:10 PM
https://www.alukah.net/images/content/full/73651/73651_180x180.jpg
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
من الإعجاز العلمي في السنة المطهرة
حديث: (مثل المؤمنين)
*
ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*
(مثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد،
*إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)؛*
(رواه مسلم: 4/1999، وأحمد: 4/70).
*
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما يجب أن يكون عليه حال*
الأمة المسلمة من تواد وتراحم وتعاطف، فيأمرنا صلى الله عليه وسلم*
أن نتوادَّ ونتعاطف ونتراحم، ولكي نفقه إلى أي درجة يكون*
هذا الترابط والتعاطف، ضرب لنا صلى الله عليه وسلم مثالًا*
بالجسد الواحد وما يحدث فيه عندما يشتكي عضو من أعضائه،*
ووصف لنا ما يحدث عند الشكوى من أن الجسم*
يتداعى كله بالسهر والحمى، من أجل هذا العضو،*
وأن الجسم لا يزال يتداعى حتى تتوقف شكوى ذلك العضو.
*
والنبي صلى الله عليه وسلم بما أُوتي من جوامع الكلم*
وصف لنا ما يحدث في جملة شرطية قصيرة،*
فعل الشرط فيها:*اشتكى،*
وجواب الشرط: تداعى.
*
وجه المطابقة بين الحديث وما توصل إليه الطب:
علميًا: في إخباره صلى الله عليه وسلم بحقيقة ما يحدث*
في الجسم البشري والذي لم يكشف عنه العلم*
إلا حديثًا في السنوات الأخيرة.
*
فهل وصف النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا*
لم يكن يعرفه أهل العلم في زمانه؟!
*
نقول: نعم، لا في زمانه ولا بعد زمانه صلى الله عليه وسلم*
بقرن، بل بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان،*كيف؟
كل الناس من قديم كانوا يعرفون أنه إذا أُصيب عضو،*
أُصيب سائر الجسد بالحمى، نعم هذا معروف،*
وبالسهر، كان أيضًا معروف على ظاهره في بعض الأحوال،*
وإن كان الظاهر في أحوال أخرى أن المريض يرقد*
وينام أحيانًا حتى يتماثل للشفاء.
*
ولكن الحديث يخبر بحدوث شكوى للعضو المصاب على الحقيقة*
لا على المجاز، وبحدوث السهر أيضًا على الحقيقة،*
وبكل ما يحمله معنى السهر الحقيقي،*
سهر الجسد كله، كما ورد في النص (تداعى له سائر الجسد بالسهر)*
والحمى ثانيًا تأتي مع السهر، وبعد أن يبدأ السهر والسهر[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftn1)1]*
يحدث حتى ولو كان المريض نائمًا ولو كان في غيبوبة!*
هذا ما نفهمه من ظاهر الحديث.
*
والجسم يتداعى، والتداعي يكون بمجرد الشكوى،*
فإن لم توجد شكوى لم يوجد تداعي (إذا اشتكى... تداعى).
*
والتداعي لغة يعني:
1-*دعا بعضه بعضًا.
*
2-*تجمع عليه من كل صوب وحدب؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم:*
(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)؛*
(رواه أبو داواد: 3/483، وأحمد: 5/78).
*
3-*تهدم وانهيار.
*
كما يقال تداعى[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftn2)2]*البناء؛ أي: سقط على بعضه،*
وانهارت جوانبه على نقطة تقع في أوسطه.
*
فهل حقًّا يشتكي العضو على الحقيقة أم أنه على المجاز؟*
وكيف يشتكى العضو بلا لسان؟*
وهل كان الناس يفهمون أن الشكوى على الحقيقة؟
*
إن من يقرأ حقيقة ما كشفه العلم من انطلاق نبضات عصبية حسية*
من مكان الإصابة والعضو المريض إلى الدماغ، وإلى مراكز الحس و
التحكم غير الإرادي، وانبعاث مواد كيماوية وهرمونات من العضو المريض،*
وبمجرد حدوث ما يتهدد أنسجته، تخرج أول قطرة دم تنزف*
أو نسيج يتهتك أو ميكروب يرسل سمومه بين الأنسجة والخلايا،*
وتذهب هذه المواد إلى مناطق مركزية في المخ والأعضاء*
الحيوية المتحكمة في عمليات الجسم الحيوية،*
من يعرف هذه الحقائق لا يستطيع إلا أن يصفها بأنها شكوى*
على الحقيقة وليست على المجاز،وإلا فما هي الشكوى؟
*
أليست هي إخبار وإعلام واستغاثة من ضرر ونازلة*
ألَمَّت بالشاكي؟ ولمن تكون الشكوى لغة[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftn3)3]؟
أليست توجه للجهة التي يظن أنها تتحكم في مجريات الأمور،*
وتملِك من الإمكانات ما تنقذ به الشاكي، وترفع عنه ما ألَمَّ به؟
*
إن الساعد الأيمن مثلًا إذا أُصيب بالمرض، فإنه لا يوجه شكواه
*إلى الساعد الأيسر، أو الرجل اليمنى؛ لأنها لا تملك توجيه*
وظائف الجسم لمواجهة المرض، وإنما تنطلق النبضات والإشارات*
والهرمونات إلى المراكز الحيوية في الدماغ، وهي التي تملك*
توجيه سائر الجسد لإغاثة العضو المشتكي.
*
وإذا اشتكى العضو تداعى سائر الجسد لشكواه، وهذا ما يحدث فعلًا،*
وبجميع معاني التداعي الواردة في لغة العرب.
*
1-*فهو يدعو بعضه بعضًا، مراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة،*
والتحكم في منطقة ما تحت المهاد التي تدعو بدورها الغدة النخامية*
لإفراز هرموناتها، والتي بدورها تدعو باقي الغدد الصماء لإفراز هرموناتها*
التي تحفز وتدعو جميع أعضاء الجسم لتوجيه وظائفها لنجدة العضو المشتكي،*
وعلى النحو الذي سبق وصفه في أول البحث.
*
2-*وهو يتداعى بمعنى يتوجه بطاقاته لخدمة العضو المشتكي،*
فالقلب مثلًا يسرع بالانقباض والانبساط؛ ليسرع بتدوير الدم،*
في الوقت الذي تنقبض الأوعية الدموية بالأجزاء الخاملة من الجسم،*
وتتسع الأوعية الدموية المحيطة بالعضو المصاب؛ لكي تحمل له*
ما يحتاجه من طاقة، وأكسجين، وأجسام مضادة، وهرمونات،*
وأحماض أمينية بناءة، هي خلاصة أعضاء الجسم المختلفة في الكبد*
والغدد الصماء والعضلات، كما أرسلت الدهون المختزنة كلها لإمداد*
العضو المريض بما يحتاجه لمقاومة المرض والالتئام.
*
وهو يتداعى بمعنى يتهدم وينهار فعلًا، ويبدأ بهدم مخزون الدهن*
ولحم العضلات (البروتينات)؛ لكي يعطي من نفسه لمصلحة العضو*
المصاب ما يحتاجه وما ينقصه، ويظل الجسم متوجهًا بعملية*
الهدم هذه إلى أن تتم السيطرة على المرض، ويتم التئام*
الأنسجة المريضة أو المجروحة، ثم بعد ذلك يعود الجسم لبناء نفسه.
*
والهدم يستمر إلى درجة تتناسب مع قسوة المرض، وقد حسب العلماء*
مقدار الهدم في كل حالة، ووجدوا تناسبًا بين مقدار ما يفقده*
الجسم من وزنه، وشدة إصابة العضو ومرضه، ووضعت لذلك جداول*
في كتب الطب، واكتشفوا أن عملية الهدم هذه ربما وصلت*
إلى درجة انهيار الجسم انهيارًا تامًّا، وتهدمه إلى أقل*
من نصف وزنه في حالات الإصابات الشديدة، حتى لربما انتهى الأمر*
بالوفاة في حالة تعرف بـ(الحالة الانهدامية المفرطة)*Hyper catabolic state.
*
والسهر موجود بمعناه، حتى لو نامت عين المريض أو تاه عن وعيه،*
فإن جميع أجهزة الجسم ودورته الدموية وتفاعلاته الاستقلابية،*
وجهازه التنفسي، والكلى والقلب تكون في حالة السهر الدائم*
أثناء المرض، ونعني بذلك أنها تكون في حالة نشاط مساوية*
لحالة اليقظة ومستمرة عليها طوال الليل والنهار*
إلى أن تزول شكوى العضو المريض.
*
والحمى قد رأينا في الجانب العلمي من البحث منشأها وانبعاثها*
وبعض فوائدها، وأنها صورة من صور تداعي الجسد*
لشكوى العضو (بالسهر والحمى).
*
وما كشف العلم الحديث حقيقة واحدة تعارض ظاهر النص أو باطنه،*
أو تسير في نسق بعيد عنه، بل كان النص وصفًا دقيقًا جامعًا*
شاملًا لحقيقة ما يحدث، بل ما قد يفهمه الجاهل بحقيقة الأمر*مجازًا*
أو كناية، وضحه العلم الحديث على أنه حقيقة واقعة لا تحتاج إلى تأويل.
*
فهو يخبرنا صلى الله عليه وسلم بالكيفية التي ينبغي أن يكون*
عليها المسلمون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم،*
فمن أراد أن يفقه إلى أي مدًى يطلب النبي صلى الله عليه وسلم*
من المسلمين أن يتوادوا ويتعاطفوا ويتراحموا،*
فعليه أن يسأل علماء الطب والجسم البشري،*
وأن يبحث وينظر كيف يفعل الجسد الواحد،*
وبمقدار ما يعلم من حقيقة تفاعل الجسم البشري،*
ويتأمل فيها بمقدار ما يفقه مقصد الشريعة وأمرها*
ومقدار التعاطف والتراحم بين المسلمين، وصدق الله تعالى إذ يقول:
*﴿*وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ*﴾ [الذاريات: 21].
*
ومن عجيب أن يستخدم العلماء الغربيون اسمًا للجهاز العصبي*
الذي يتفاعل في حال تعرض الجسم للخطر والمرض،*
اسمًا بلغتهم وصفوا به حقيقة ما يفعله هذا النظام*
والجهـاز هـو*Sympathetic،*
فكانت ترجمته الحرفية:المتواد، المتعاطف، المتراحم،*
وهو عين ما سماه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم،*
وليس في لغة العرب ألفاظ أخرى تصف حقيقة ما يؤديه هذا الجهاز*
في الجسم البشري، وليست في لغة العرب ألفاظ أخرى تصلح*
لترجمة الاسم الذي أطلقه علماء الغرب على هذا النظام*
الذي اشتقوا له اسمًا يصف وظيفته الحقيقية من واقع*
ما شاهدوه وتحققوا منه، فكان ما وصفوه مطابقًا*
لما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، وما سموه*
مترجمًا بالألفاظ التي ذكرها الحديث، قال تعالى:*
﴿*وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى***إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى***عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى*﴾*
[النجم: 3 - 5].
[hr]
[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftnref1)*السهر: الأرق، سهر سهر سهرًا، فهو ساهر: لم ينم ليلاً، السهر:*
امتناع النوم بالليل (لسان العرب: ج4 ص383).
[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftnref2)*انظر: لسان العرب: ج14 ص262.
[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftnref3)3]*شكا: وتشكَّي واشتكى: تشاكى القوم: شكى بعضهم إلى بعض،*
والاشتكاء إظهار ما بك من مكروه أو مرض ونحوه،*
والشكو: هو المرض نفسه، والشَّكِي: الذي يشتكي؛*
(لسان العرب: ج14 ص439).
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
من الإعجاز العلمي في السنة المطهرة
حديث: (مثل المؤمنين)
*
ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*
(مثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد،
*إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)؛*
(رواه مسلم: 4/1999، وأحمد: 4/70).
*
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما يجب أن يكون عليه حال*
الأمة المسلمة من تواد وتراحم وتعاطف، فيأمرنا صلى الله عليه وسلم*
أن نتوادَّ ونتعاطف ونتراحم، ولكي نفقه إلى أي درجة يكون*
هذا الترابط والتعاطف، ضرب لنا صلى الله عليه وسلم مثالًا*
بالجسد الواحد وما يحدث فيه عندما يشتكي عضو من أعضائه،*
ووصف لنا ما يحدث عند الشكوى من أن الجسم*
يتداعى كله بالسهر والحمى، من أجل هذا العضو،*
وأن الجسم لا يزال يتداعى حتى تتوقف شكوى ذلك العضو.
*
والنبي صلى الله عليه وسلم بما أُوتي من جوامع الكلم*
وصف لنا ما يحدث في جملة شرطية قصيرة،*
فعل الشرط فيها:*اشتكى،*
وجواب الشرط: تداعى.
*
وجه المطابقة بين الحديث وما توصل إليه الطب:
علميًا: في إخباره صلى الله عليه وسلم بحقيقة ما يحدث*
في الجسم البشري والذي لم يكشف عنه العلم*
إلا حديثًا في السنوات الأخيرة.
*
فهل وصف النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا*
لم يكن يعرفه أهل العلم في زمانه؟!
*
نقول: نعم، لا في زمانه ولا بعد زمانه صلى الله عليه وسلم*
بقرن، بل بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان،*كيف؟
كل الناس من قديم كانوا يعرفون أنه إذا أُصيب عضو،*
أُصيب سائر الجسد بالحمى، نعم هذا معروف،*
وبالسهر، كان أيضًا معروف على ظاهره في بعض الأحوال،*
وإن كان الظاهر في أحوال أخرى أن المريض يرقد*
وينام أحيانًا حتى يتماثل للشفاء.
*
ولكن الحديث يخبر بحدوث شكوى للعضو المصاب على الحقيقة*
لا على المجاز، وبحدوث السهر أيضًا على الحقيقة،*
وبكل ما يحمله معنى السهر الحقيقي،*
سهر الجسد كله، كما ورد في النص (تداعى له سائر الجسد بالسهر)*
والحمى ثانيًا تأتي مع السهر، وبعد أن يبدأ السهر والسهر[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftn1)1]*
يحدث حتى ولو كان المريض نائمًا ولو كان في غيبوبة!*
هذا ما نفهمه من ظاهر الحديث.
*
والجسم يتداعى، والتداعي يكون بمجرد الشكوى،*
فإن لم توجد شكوى لم يوجد تداعي (إذا اشتكى... تداعى).
*
والتداعي لغة يعني:
1-*دعا بعضه بعضًا.
*
2-*تجمع عليه من كل صوب وحدب؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم:*
(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)؛*
(رواه أبو داواد: 3/483، وأحمد: 5/78).
*
3-*تهدم وانهيار.
*
كما يقال تداعى[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftn2)2]*البناء؛ أي: سقط على بعضه،*
وانهارت جوانبه على نقطة تقع في أوسطه.
*
فهل حقًّا يشتكي العضو على الحقيقة أم أنه على المجاز؟*
وكيف يشتكى العضو بلا لسان؟*
وهل كان الناس يفهمون أن الشكوى على الحقيقة؟
*
إن من يقرأ حقيقة ما كشفه العلم من انطلاق نبضات عصبية حسية*
من مكان الإصابة والعضو المريض إلى الدماغ، وإلى مراكز الحس و
التحكم غير الإرادي، وانبعاث مواد كيماوية وهرمونات من العضو المريض،*
وبمجرد حدوث ما يتهدد أنسجته، تخرج أول قطرة دم تنزف*
أو نسيج يتهتك أو ميكروب يرسل سمومه بين الأنسجة والخلايا،*
وتذهب هذه المواد إلى مناطق مركزية في المخ والأعضاء*
الحيوية المتحكمة في عمليات الجسم الحيوية،*
من يعرف هذه الحقائق لا يستطيع إلا أن يصفها بأنها شكوى*
على الحقيقة وليست على المجاز،وإلا فما هي الشكوى؟
*
أليست هي إخبار وإعلام واستغاثة من ضرر ونازلة*
ألَمَّت بالشاكي؟ ولمن تكون الشكوى لغة[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftn3)3]؟
أليست توجه للجهة التي يظن أنها تتحكم في مجريات الأمور،*
وتملِك من الإمكانات ما تنقذ به الشاكي، وترفع عنه ما ألَمَّ به؟
*
إن الساعد الأيمن مثلًا إذا أُصيب بالمرض، فإنه لا يوجه شكواه
*إلى الساعد الأيسر، أو الرجل اليمنى؛ لأنها لا تملك توجيه*
وظائف الجسم لمواجهة المرض، وإنما تنطلق النبضات والإشارات*
والهرمونات إلى المراكز الحيوية في الدماغ، وهي التي تملك*
توجيه سائر الجسد لإغاثة العضو المشتكي.
*
وإذا اشتكى العضو تداعى سائر الجسد لشكواه، وهذا ما يحدث فعلًا،*
وبجميع معاني التداعي الواردة في لغة العرب.
*
1-*فهو يدعو بعضه بعضًا، مراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة،*
والتحكم في منطقة ما تحت المهاد التي تدعو بدورها الغدة النخامية*
لإفراز هرموناتها، والتي بدورها تدعو باقي الغدد الصماء لإفراز هرموناتها*
التي تحفز وتدعو جميع أعضاء الجسم لتوجيه وظائفها لنجدة العضو المشتكي،*
وعلى النحو الذي سبق وصفه في أول البحث.
*
2-*وهو يتداعى بمعنى يتوجه بطاقاته لخدمة العضو المشتكي،*
فالقلب مثلًا يسرع بالانقباض والانبساط؛ ليسرع بتدوير الدم،*
في الوقت الذي تنقبض الأوعية الدموية بالأجزاء الخاملة من الجسم،*
وتتسع الأوعية الدموية المحيطة بالعضو المصاب؛ لكي تحمل له*
ما يحتاجه من طاقة، وأكسجين، وأجسام مضادة، وهرمونات،*
وأحماض أمينية بناءة، هي خلاصة أعضاء الجسم المختلفة في الكبد*
والغدد الصماء والعضلات، كما أرسلت الدهون المختزنة كلها لإمداد*
العضو المريض بما يحتاجه لمقاومة المرض والالتئام.
*
وهو يتداعى بمعنى يتهدم وينهار فعلًا، ويبدأ بهدم مخزون الدهن*
ولحم العضلات (البروتينات)؛ لكي يعطي من نفسه لمصلحة العضو*
المصاب ما يحتاجه وما ينقصه، ويظل الجسم متوجهًا بعملية*
الهدم هذه إلى أن تتم السيطرة على المرض، ويتم التئام*
الأنسجة المريضة أو المجروحة، ثم بعد ذلك يعود الجسم لبناء نفسه.
*
والهدم يستمر إلى درجة تتناسب مع قسوة المرض، وقد حسب العلماء*
مقدار الهدم في كل حالة، ووجدوا تناسبًا بين مقدار ما يفقده*
الجسم من وزنه، وشدة إصابة العضو ومرضه، ووضعت لذلك جداول*
في كتب الطب، واكتشفوا أن عملية الهدم هذه ربما وصلت*
إلى درجة انهيار الجسم انهيارًا تامًّا، وتهدمه إلى أقل*
من نصف وزنه في حالات الإصابات الشديدة، حتى لربما انتهى الأمر*
بالوفاة في حالة تعرف بـ(الحالة الانهدامية المفرطة)*Hyper catabolic state.
*
والسهر موجود بمعناه، حتى لو نامت عين المريض أو تاه عن وعيه،*
فإن جميع أجهزة الجسم ودورته الدموية وتفاعلاته الاستقلابية،*
وجهازه التنفسي، والكلى والقلب تكون في حالة السهر الدائم*
أثناء المرض، ونعني بذلك أنها تكون في حالة نشاط مساوية*
لحالة اليقظة ومستمرة عليها طوال الليل والنهار*
إلى أن تزول شكوى العضو المريض.
*
والحمى قد رأينا في الجانب العلمي من البحث منشأها وانبعاثها*
وبعض فوائدها، وأنها صورة من صور تداعي الجسد*
لشكوى العضو (بالسهر والحمى).
*
وما كشف العلم الحديث حقيقة واحدة تعارض ظاهر النص أو باطنه،*
أو تسير في نسق بعيد عنه، بل كان النص وصفًا دقيقًا جامعًا*
شاملًا لحقيقة ما يحدث، بل ما قد يفهمه الجاهل بحقيقة الأمر*مجازًا*
أو كناية، وضحه العلم الحديث على أنه حقيقة واقعة لا تحتاج إلى تأويل.
*
فهو يخبرنا صلى الله عليه وسلم بالكيفية التي ينبغي أن يكون*
عليها المسلمون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم،*
فمن أراد أن يفقه إلى أي مدًى يطلب النبي صلى الله عليه وسلم*
من المسلمين أن يتوادوا ويتعاطفوا ويتراحموا،*
فعليه أن يسأل علماء الطب والجسم البشري،*
وأن يبحث وينظر كيف يفعل الجسد الواحد،*
وبمقدار ما يعلم من حقيقة تفاعل الجسم البشري،*
ويتأمل فيها بمقدار ما يفقه مقصد الشريعة وأمرها*
ومقدار التعاطف والتراحم بين المسلمين، وصدق الله تعالى إذ يقول:
*﴿*وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ*﴾ [الذاريات: 21].
*
ومن عجيب أن يستخدم العلماء الغربيون اسمًا للجهاز العصبي*
الذي يتفاعل في حال تعرض الجسم للخطر والمرض،*
اسمًا بلغتهم وصفوا به حقيقة ما يفعله هذا النظام*
والجهـاز هـو*Sympathetic،*
فكانت ترجمته الحرفية:المتواد، المتعاطف، المتراحم،*
وهو عين ما سماه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم،*
وليس في لغة العرب ألفاظ أخرى تصف حقيقة ما يؤديه هذا الجهاز*
في الجسم البشري، وليست في لغة العرب ألفاظ أخرى تصلح*
لترجمة الاسم الذي أطلقه علماء الغرب على هذا النظام*
الذي اشتقوا له اسمًا يصف وظيفته الحقيقية من واقع*
ما شاهدوه وتحققوا منه، فكان ما وصفوه مطابقًا*
لما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، وما سموه*
مترجمًا بالألفاظ التي ذكرها الحديث، قال تعالى:*
﴿*وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى***إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى***عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى*﴾*
[النجم: 3 - 5].
[hr]
[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftnref1)*السهر: الأرق، سهر سهر سهرًا، فهو ساهر: لم ينم ليلاً، السهر:*
امتناع النوم بالليل (لسان العرب: ج4 ص383).
[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftnref2)*انظر: لسان العرب: ج14 ص262.
[ (https://www.alukah.net/sharia/0/73651/#_ftnref3)3]*شكا: وتشكَّي واشتكى: تشاكى القوم: شكى بعضهم إلى بعض،*
والاشتكاء إظهار ما بك من مكروه أو مرض ونحوه،*
والشكو: هو المرض نفسه، والشَّكِي: الذي يشتكي؛*
(لسان العرب: ج14 ص439).