تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في قوله تعالى : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }


إيليف
10-28-2021, 02:21 PM
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون... ﴾


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

فقد تقدَّم الحديث عن فضل غزوة بدر، وأهلها الذين شاركوا فيها، وسيكون الكلام في هذه الكلمة عن الآيات التي تحدثت عن خروج النبي صلى اللهُ عليه وسلم ومن معه إلى هذه الغزوة المباركة.



قال تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُون * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِين * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون ﴾ [الأنفال: 5-8].



يقول الله تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ ﴾ يا محمد إلى لقاء المشركين في بدر ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ الذي يحبه، وقدره وقضاه، وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال، فحين تبين لهم أن ذلك واقع جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى اللهُ عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُون ﴾ والحال أن هذا لا ينبغي منهم خصوصاً بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق ومما أمرالله به، ورضيه، فبهذه الحال ليس للجدل محل فيها؛ لأن الجدل محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر، فأما إذا وضح وبان فليس إلا الانقياد والإذعان، هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم، وكذلك الذين عاتبهم الله انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم الله وَقَيَّضَ لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم.



وكان أصل خروجهم أنهم يتعرضون لِعِيرٍ خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريشٍ إلى الشام، قافلة كبيرة، فلما سمع برجوعها من الشام ندب النبي صلى اللهُ عليه وسلم الناس، فخرج معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيراً يعتقبون عليها ويحملون عليها متاعهم، فسمعت بخبرهم قريش، فخرجوا لمنع عِيرِهِم في عدد كثير، وعدة وافرة من السلاح، والخيل، والرجال، بلغ عددهم قريباً من الألف.



فوعدالله المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير أي الجيش، فأحبوا العير لِقِلَّةِ ذاتِ يدِ المسلمين؛ ولأنها غير ذات الشوكة، ولكن الله تعالى أحَبَّ لهم وأراد أمراً أعلى مما أحبوا، أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم، ﴿ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ﴾ فينصر أهله، ﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِين ﴾ أي يستأصل أهل الباطل، ويُري عباده من نَصْرِهِ للحق أمراً لم يكن يخطر ببالهم.



﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ ﴾ أي بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه، ﴿ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ﴾ أي بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه، ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون ﴾ فلا يبالي الله بهم[1].



روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله ابن كعب رضي اللهُ عنه قال: سمعت كعب بن مالك رضي اللهُ عنه يقول: "لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ"[2].



ومن فوائد الآيات الكريمات:

أولاً: خروج النبي صلى اللهُ عليه وسلم وأصحابه من المدينة كان بالحق، وخروج المشركين من مكة كان بالباطل، ففي الأولين قال: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾ [الأنفال: 5]. وفي الآخرين قال: ﴿ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ ﴾ [الأنفال: 47]. فَشَتَّانَ ما بين الفريقين.



ثانياً: مع علمه صلى اللهُ عليه وسلم بأن خروجه كان بأمر ربه، إلا أنه كان يستشير أصحابه مراعاة منه صلى اللهُ عليه وسلم - للطبيعة البشرية - فلينتبه دعاة الإسلام لهذا، وليقدموه للناس ليناً سهلاً.



ثالثاً: في المؤمنين من هو كامل الإيمان يقدم الأوامر الشرعية ولا يبالي بما يخالفها، ومنهم من هو دون ذلك، له نظرة للأسباب المادية، وهذا الفريق لا ينبغي أن يُضْرب بالأوامر الشرعية بل يؤخذ بالمجادلة الحسنة حتى ينقاد إلى الحق بطيب نفس، ورغبة، يؤخذ هذا من قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون ﴾ [الأنفال: 5].



رابعاً: أن اللفظ قد يطلق، ويراد به بعض معانيه، فالذين كرهوا لقاء العدو في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون ﴾، لم يكن ذلك جبناً، ولا كراهية للموت، ولكنهم لم يكونوا يرون الدخول في معركة لم يستعدوا لها، ولم يحسبوا حسابها، وربما كانت النتائج أسوأ مما لو عادوا في هذه الحال، فلما تبين لهم الحق بعد المجادلة انساقوا إليه مسرعين.



خامساً: فضل أصحاب بدر، وكمال إيمانهم، حيث انقادوا للنبي صلى اللهُ عليه وسلم لخوض المعركة مع قريش مع أن ذلك بالحسابات المادية والخطط العسكرية هو الإقدام على الموت، قال تعالى وهو يصوِّر ذلك أحسن وأبلغ تصوير: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُون ﴾ [الأنفال: 6].



سادساً: الوعد بالخير ممن طبيعته الوفاء من أخلاق القرآن لما في ذلك من راحة القلب واطمئنانه، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ ﴾ [الأنفال: 7].


سابعاً: وعد الله أصحاب بدر إحدى الطائفتين، ولم يعين مع علمه بما سيكون ليكشف خفايا النفس البشرية، وذلك من مقتضيات حكمته جل وعلا.



ثامناً: بذل جهد أكبر لتحصيل مقصود أعظم أولى من ضده، قال تعالى: ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 7].



تاسعاً: المقارنة بين المصالح والمفاسد، والموازنة بين الأمور مع بُعد النظر يتبين بها حقيقة الأشياء، وهذا ما جعل النبي صلى اللهُ عليه وسلم، وأصحابه يقررون اللقاء مع العدو ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾، وهي مصلحة، غير أن هذه المصلحة تتلاشى عند النظر إلى ما في اللقاء من المصالح، وإن كلف جهداً إذ إن إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإذلال الكفر؛ مصالح عظيمة لا يعدلها شيء، قال تعالى: ﴿ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِين * لِيُحِ

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون ﴾ [الأنفال: 7-8].



عاشراً: يجب على المؤمنين أن يُقَدِّمُوا ما يريده الله على ما يريدون، فإنهم متى فعلوا ذلك أعطاهم ما يتمنون، وَبَلَّغَهُمْ ما لم يكونوا يحتسبون، وهذا ما وقع لأهل بدر، لَمَّا قَدَّمُوا ما يريده الله على ما يريدون.



الحادي عشر: من الجرائم العظيمة أن يكره الإنسان ظهور الحق، أو سقوط الباطل، قال تعالى: ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون ﴾.



الثاني عشر: عظمة البارئ وقدرته، إذ إن ما يريده يقع منه بكلمة، قال تعالى: ﴿ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ﴾.



وهذه الكلمة هي ما ذكره الله بقوله: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون ﴾ [يس: 82][3]

SAMAR
10-28-2021, 02:22 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم
والمميز وفي انتظار جديدك الأروع
والمميز لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب

قصايد
10-28-2021, 04:36 PM
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ

حلا ليالي
10-28-2021, 05:43 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك

عابر سبيل
10-28-2021, 06:52 PM
ميسم

ما شاء الله .. تبارك الرحمن في علاه
أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك
بارك الله فيك واثابك بقدر كل هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم
https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif

لِين
10-28-2021, 07:23 PM
جزآك الله خيراً
وجُعل م قدم في ميزآن حسنآتك .

عيسى العنزي
10-29-2021, 10:56 AM
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

أبو محـمد
10-29-2021, 02:47 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

imported_ريآن
10-29-2021, 03:58 PM
جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان

الدكتور على حسن
10-29-2021, 11:28 PM
كل التحية وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـا
من موضوع رائع ومفيد جدا
جزاك الله عنا خير الجــزاء
وكتب لك السعادة والهناء
خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علــى
https://eshtyak.ahlamontada.com/users/1313/87/98/72/smiles/115296.gif (https://eshtyak.ahlamontada.com/users/1313/87/98/72/smiles/115296.gif)

عواد الهران
10-30-2021, 06:48 PM
بارك الله فيك...

جزاك الله خير الجزاء,

ولك الشكر والامتنان,

والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد,

وقمة التفاعل:

بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه.

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯)
11-03-2021, 06:17 AM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه

إيليف
11-17-2021, 04:12 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم
والمميز وفي انتظار جديدك الأروع
والمميز لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب
منووره سموره

إيليف
11-17-2021, 04:13 PM
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ
منووووووووره

إيليف
11-17-2021, 04:13 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
منووره حلا

إيليف
11-17-2021, 04:13 PM
ميسم

ما شاء الله .. تبارك الرحمن في علاه
أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك
بارك الله فيك واثابك بقدر كل هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم
https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif




منوووووور اخووووي

إيليف
11-17-2021, 04:13 PM
جزآك الله خيراً
وجُعل م قدم في ميزآن حسنآتك .
منوووره يالحب

إيليف
11-17-2021, 04:14 PM
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي
نووووووورت اخووووي

إيليف
11-17-2021, 04:14 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام
نوووورت اخوووووووي

إيليف
11-17-2021, 04:14 PM
جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان





نووووورت اخوووووي

إيليف
11-17-2021, 04:15 PM
كل التحية وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـا
من موضوع رائع ومفيد جدا
جزاك الله عنا خير الجــزاء
وكتب لك السعادة والهناء
خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علــى
https://eshtyak.ahlamontada.com/users/1313/87/98/72/smiles/115296.gif (https://eshtyak.ahlamontada.com/users/1313/87/98/72/smiles/115296.gif)



نورت اخوي شكرا لك

إيليف
11-17-2021, 04:15 PM
بارك الله فيك...

جزاك الله خير الجزاء,

ولك الشكر والامتنان,

والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد,

وقمة التفاعل:

بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه.
نورت اخووووي شكرا لك

إيليف
11-17-2021, 04:16 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه
منوووووره