المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة بلاغية في سورة المسد (1)


˛ ذآتَ حُسن ♔
12-27-2021, 11:11 AM
قراءة بلاغية في سورة المسد (1)


قال - تعالى-: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [المسد: 1 - 5].
تعرض السورة لنمط من أنماط المواجهة بين الحق والباطل، وتحكي عاقبة الباطل الوخيمة، وتكشف عن انتصار الحق وأهله في نهاية المطاف، وتوعد الحق - جل جلاله - لكل مَن يقف أمام دينه ورسله ودعاته، رجالاً ونساء، بالويل والثبور، والتَّباب والهلاك.
• فتبدأ الآيات بهذا الدعاء المشفوع بالخبر، الدعاء على الصادِّ عن سبيل الله: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾، والخبر: ﴿ وَتَبَّ ﴾، والتبُّ في اللغة هو الانقطاع والخسران والهلاك، يقال في الدعاء: تبت يده، وتبًّا له، وتحمل المادة اللغوية معنى الضعف والشيخوخة إلى جوار الهلاك والدمار، والخسارة الكاملة، وهنا مجاز عقلي علاقته السببية؛ لأن اليد سبب في كل خير أو في كل شر.
وقد يكون مجازًا مرسلاً علاقته الجزئية؛ حيث أطلق اليد، وأراد كل الجسد؛ لأنه إذا هلكت اليد التي هي سبب الفعل، فقد هلك صاحبها، وفيها كناية كذلك عن صفة هي الهلاك والخسران والضياع.
كما أن فيها استعارة مكنية؛ حيث شبه اليد بإنسان يَخسر ويهلك، وحذف المشبه به، ودل عليه بشيء من لوازمه، وهو التب والخسارة والهلاك.
وفيها كناية كذلك عن صفة هي محبة الله - سبحانه - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث سارع بالدفاع عنه، وذلك عند ما صَعِد الرسول - عليه الصلاة والسلام - على الجبل وقال : ((يا صباحاه))، فاجتمعت قريش، فقال: ((أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبِّحُكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟))، قالوا: نعم، قال: ((فإني نذير بين يدي عذاب شديد))، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبًَّا لك؛ فأنزل الله: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾.
وحذفت نون المثنى ﴿ يَدَا ﴾ للإضافة، فهي يداه التي آذى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان كثير البغض له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه، وفي قوله: ﴿ أَبِي لَهَبٍ ﴾ كنايتان:
الأولى: كناية عن موصوف، وهو عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب، وكنيته أبو عتبة.
والثانية: كناية عن صفة هي التهاب وجهه من الاحمرار والإشراق، وكان رجلاً وضيئًا، أحول العين ذا غديرتين.
• وقوله: ﴿ وَتَبَّ ﴾؛ أي: وقد هلك، وتحقق خسرانه وهلاكه بالفعل؛ فهي كناية عن صفة هي القصاص، وحصول ما يشفي الغليل؛ لأنه فعل ماضٍ، وهي كناية توحِي بالراحة التامة، والسعادة الكاملة بالنقمة التي تقع بكل مَن يقف أمام أهل الله، وأحبابه، والدعاة إلى دينه وشرعه.
والفاعل مستتر تقديره هو، ففي الأولى دعاء عليه بهلاك يديه، وفي الثانية إخبار عن هلاكه هو نفسه هلاكًا تامًّا، والفعل الأول أُنِّث جوازًا، والثاني ذُكِّر وجوبًا.
• قوله: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾.
إما أنه أسلوب استفهام؛ لإفادة حسرته وضياعه، هذا إن اعتبرنا ﴿ مَا ﴾ استفهامية؛ أي: أيُّ شيء أغنى عنه ماله؟
أو أي شيء أغنى عنه ذلك المال، إذا كانت نهايته وخيمة وعاقبته سيئة؟
ما الذي قدمه ماله وهو في هذا الهلاك والدمار؟
أو هو أسلوب نفي إن اعتبرنا ﴿ مَا ﴾ هنا نافية؛ أي: لم يُغنِه ماله، وكسبه عن ضياعه ودخوله النار، وفيه دلالة على رعاية الله - تعالى - لأنبيائه وأوليائه، بأنه لا يمكِّن أعداءه من أوليائه، ولا يترك أصفياءه؛ فتخرج ﴿ مَا ﴾ على هذا الوجه نافية، فهو أسلوب نفي، وفيه كناية عن صفة، وهي عدم نفع المال لصاحبه إذا كان الله له بالمرصاد.
واستعمال ﴿ مَا ﴾ التي تفيد العموم، له دلالته في سياقه؛ وذلك ليدخل فيه كل ما كسب أبو لهب: من مال، وعشيرة، وأهل، ونسَب، وعقار، وأراض؛ لأن الولد من كسب الرجل، و"مال" هنا اسم جنس؛ أي: جنس أمواله، وهي تعني أن المال في يد أبي لهب وحده، لم يملِّكه أحدًا، ولم يتركه لغيره، فهو له على وجه التفرد والسيطرة، وترك المفعول به في ﴿ كسب ﴾، وحذفه ولم يظهره؛ أي: "كسبه"، كما أن بناء الجملة قصير، والأفعال هي الأخرى قد اقتصرت على فواعلها تحقيرًا له، وعدم إكثار للحديث عنه، فهو لا يستأهل أن نستكثر الحديث عنه.
• وقوله: ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴾، هذا أسلوب توكيد، أداته السين؛ أي: إنه سيدخل النار حتمًا، وذلك الدخول مؤكد، واستعمال السين دون سوف لبيان سرعة دخوله، وعدم تأخره، وورود الفعل ﴿ يَصْلَى ﴾ بالمضارع يفيد استمرار صلائه، ودخوله النار، وعدم خروجه منها، وأن ذلك حاصل وحتم لازم، قد كتبه الله عليه، وفيه دليل على معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة، وهو كذلك دليل واضح على النبوة، فإن أبا لهب منذ نزل قوله - تعالى- : ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾، وعلم أنه أخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان - لم يقيضْ لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما، لا ظاهرًا ولا باطنًا، ولا مسرًّا، ولا معلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة، ومن أقوى الأدلة على سَعة علم الله، وكامل هيمنته على كونه، وعباده.

عواد الهران
12-27-2021, 11:20 AM
بارك الله فيك...

جزاك الله خير الجزاء,

ولك الشكر والامتنان,

والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد,

وقمة التفاعل:

بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه.

حلا ليالي
12-27-2021, 03:39 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك

أبو محـمد
12-27-2021, 05:09 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯)
12-28-2021, 09:34 AM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه

طلة سحابه
12-28-2021, 03:34 PM
http://a-3amry.com/up/uploads/163791518367121.gif (http://a-3amry.com/up/)

سبحان من انزل قرانه على نبينا محمد واوضح لنا فيه شعائره وشرائعه

والحمد لله الذي جعل لنا قرانه الكريم وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لانضيع معها ابدا
وجزاك الله خيـر على هالاضافه
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما

http://a-3amry.com/up/uploads/163791518390962.gif (http://a-3amry.com/up/)

توت احمر
12-28-2021, 10:42 PM
جزاك الله خير

وأحسن إليك فيما قدمت
دمت برضى الله وإحسانه وفضله
:jno55h:

أميرة الشموخ
12-29-2021, 11:16 AM
يعطيك العافيـة على الطرح القيـم والمفيـد
جزاك اللــه خيـــر 241.gif

عابر سبيل
12-31-2021, 11:05 AM
ذآت حسن

ما شاء الله .. تبارك الرحمن في علاه
أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك
بارك الله فيك واثابك بقدر كل هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم
https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif

عيسى العنزي
01-01-2022, 12:21 PM
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

لِين
01-04-2022, 05:58 AM
_


جزاك الله خيراً
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتك.

إيليف
01-05-2022, 11:27 AM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء

دمتِ بخير https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif.

hmsraqi
01-07-2022, 02:59 PM
اللهُ يُعْطِيكَ العافيه ع الْمَوْضُوعَ الْقَيِّمَ
ويجعله فِي مِيزَانِ حُسْنَاتِكَ

imported_ريآن
01-13-2022, 02:21 AM
جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان